Bekal Dasar Penuntut 'Ilmu......(pengantar Kitab al-Jami' fi 'ilmi asy-syariif)


لنكت اللوامع
في ملحوظات الجامع

لأبي محمد المقدسي
عفا الله عنه



وهي ملحوظات متفرقة
على الجزء الثاني من كتاب
الجامع في طلب العلم الشريف
للشيخ / عبد القادر بن عبد العزيز
حفظه الله تعالى








مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد..
فإن كتاب "الجامع في طلب العلم الشريف" لأخينا الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز حفظه الله تعالى، من الكتب المنهجيّة الطيبة، التي أنصح إخواني طلبة العلم الناشئين باعتماده في نهجهم الدراسي، خصوصاً مع فقر زماننا من العلماء العاملين المتجردين الرّبانيين، الذين كان يفزع إليهم طلبة العلم فيما مضى، فصاروا اليوم يعتمدون في الغالب على الوجادة والمطالعة، فأكثرهم تحصيلاً أنشطهم في المطالعة، وأسدهم اختياراً لما يدرس ويقرأ..
وقد كنا نسمع من المشايخ تكرار مقولة: "من كان شيخُه كتابه كثر خطأه وقلَّ صوابه".. ولذلك يلزم طالب العلم المعتمد على المطالعة، كثيراً من التوجيه والتنبيه، ليعرف الأولويات التي يبدأ بها بين الآلاف المؤلفة من الكتب والموضوعات، ويتنبه للعثرات التي قلّما يخلو منها كتاب بعد كتاب الله تعالى المحفوظ، ويتبصر بالأخطاء والمخالفات التي قلَّ أن يسلم منها أحد بعد المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، فيميز بين الغثِّ والسمين، وبين التبر والطين، وقد قدّم صاحب (الجامع) لطلبة العلم من ذلك النصح والتنبيه والتوجيه الشيء الطيب والكثير، فجزاه الله خير الجزاء..
وقد وصلتني نسخة مصورة عن الجزء الثاني من الكتاب في سجن البلقاء في شهر ذي القعدة من سنة (1418هـ) من طرف بعض إخواننا الأفاضل الذين طلبوا مني تدوين أي ملحوظات على مادة الكتاب، لأنهم يعتمدونه في دراستهم فقمت بكتابة بعض الملحوظات على هوامش النسخة التي كانت تنقصها الصفحات التالية: (705 - 706 - 725 - 726 - 751 - 752 - 809 - 810 - 867 - 868 - 913 - 914).
ثم لما فرغت من قراءة الكتاب قمت بكتابة أهم تلك الملحوظات وجمعها في هذه الورقات، استجابة لمطلب أولئك الإخوة الأفاضل، ونصحاً لكل من طالع كتاب الجامع، وكل منصف يعلم أن كون مصنف الكتاب قد جانبَ الصواب في مسائل معدودات، لا تعدو كونها عثرات فارس قد جرّد حسامه وفرَّغ أيامه للدفع عن دين الله والجلاد دون حرماته، فكل منصف يعلم أنّ ذلك لا يضع من قيمته أو يحط من جهد عنائه.. ولكن وجب علينا التنبيه على ذلك نصحاً لدين الله ولكاتب الكتاب ولقرّائه، وهو الواجب عينه، الذي قام به مصنف (الجامع) مع أكابر علمائنا في خلاصة كتاباتهم.. أسأل الله تعالى أن يرحمنا ويرحمهم ويتقبل منا ومنهم..
ويطيب لي هنا أن أذكّر بما نقله المصنّف عن شيخ الإسلام (ص662-663) من كتابه وهو قوله رحمه الله: "ولهذا وجب بيان حال من يغلط في الحديث والرواية، ومن يغلط في الرأي والفتيا، ومن يغلط في الزهد والعبادة، وإن كان المخطىء المجتهد مغفوراً له خطؤه، وهو مأجور على اجتهاده، فبيان القول والعمل الذي دلّ عليه الكتاب والسنة واجب، وإن كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله، ومن عُلمَ منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يُذْكر على وجه الذمّ والتأثيم له، فإن الله غفر له خطأه، بل يجب - لما فيه من الإيمان والتقوى - موالاته ومحبته والقيام بما أوجب الله من حقوقه من ثناء ودعاء وغير ذلك" (28/232) من مجموع الفتاوى.
وقد سميت هذه الورقات: (النكت اللوامع في ملحوظات الجامع).
أسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفع بها كاتبها وقارئها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتب / أبو محمد عاصم المقدسي
سجن البلقاء منسلخ سنة 1418هـ
(أواخر شهر ذي الحجة)

ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين



ملحوظات متفرقة على الجزء الثاني
من كتاب "الجامع في طلب العلم الشريف"

1- (ص438) قال المصنف حفظه الله: "والأخذ بأقوال الصحابة وإجماعهم من أهم ما يميز أهل السنة عن الفرق الضالة المبتدعة.."أهـ.
- أقول أما التبديع والتضليل لترك إجماع الصحابة الثابت، فنعم. وأما لترك أقوالهم ففيه نظر.
وفرق بين إجماع الصحابة الثابت، وبين أقاويلهم المتفرقة، فأقاويل الصحابة إذا اختلفوا فليس قول أحدهم حجة دون غيره إلا ما عاضده برهان من الكتاب والسنة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن قال من العلماء أن قول الصحابي حجة فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة، ولا عُرف نص يخالفه" اهـ. من مجموع الفتاوى (1/283).
وقد أشار المصنف إلى قول شيخ الإسلام هذا، وذكر أقاويل لغيره قريبة منه ص(819). وقال ص(830) عن قول الصحابي إذا خالفه صحابي آخر: "فقوله ليس حجة بالاتفاق" أهـ. ومنه تعلم أن إطلاقه في الموضع الأول مقيّد بهذا فلزم التنبيه إليه إذ بيْن الموضعين قرابة أربعمائة صفحة.
وذلك مخافة أن يغتر بعض الطلبة بإطلاقه الأول، فيطلقون ألسنة التبديع والتضليل في كل من ردّ رأياً أو قولاً لصحابي.. كما يفعل مرجئة العصر، حين نردَّ عليهم ما يقدمونه من أقاويل تنسب لبعض الصحابة، على نصوص الوحي الصريحة الواضحة التي نجالدهم بها..
واعلم أن المختار عندنا والذي ندين الله به أن قول الصحابي ليس بدليل شرعي ولا هو حجة في دين الله إلا أن يكون في أسباب النزول، أو يكون مما لا يُقال بالرأي ويكون حكمه حكم الرفع، بشرط أن لا يكون الصحابي من المكثرين بالتحديث عن أهل الكتاب..
وأن الحجة الشرعية التي ندين الله بها هي قول الله تعالى، وقول رسوله ، وإجماع الصحابة الثابت قبل أن يتفرقوا في الأمصار، والذي لا يكون إلا بمستند شرعي..
قال تعالى: قل إنما أنذركم بالوحي [الأنبياء: 45].
وقال سبحانه: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون .
* تنبيه:
قال المصنف ص819: "إذا تعارضت أقوال الصحابة فلا حجة في أحدها، ووجب الترجيح بينها...".
كذا قال: "فلا حجة في أحدها".
والراجح عندي أن هذا خطأ مطبعي، وأنه يريد: "فالحجة في أحدها".
إذ الترجيح لا يكون لإلغاء الجميع، بل لاختيار الأقوى والأرجح.
وهذا هو المذهب المختار عنده، كما صرّح به بعد ذلك في المقدمة الرابعة فقال: "وفي الجملة فإن العلماء لم يختلفوا في أن الحق لا يخرج عن قول الصحابة، فإن أجمعوا فإجماعهم حجة قطعية، وإن اختلفوا فالحق في قول بعضهم، ويعلم هذا بالردِّ إلى الكتاب والسنة، ولا يجوز الخروج عن أقوالهم" اهـ. ص(821).

2- (ص445) نقل المصنف عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله: "وأما أهل السنة فمذهبهم أن المسلم لا يكفر إلا بالشرك" أهـ.
ولم يعلق على هذا أو يبينه، مع أنه علق في كتابه وشدّد على إطلاقات لأهل العلم دون هذا..
فأقول: الراجح أنّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لا يريد في إطلاقه هذا "الشرك بمعناه الإصطلاحي" وهو: أن يجعل المرء لله نداً أو شريكاً في ألوهيته أو ربوبيته فهذا أخص من الكفر، ولو أراده الشيخ لكان قوله غير جامع لكثير من أنواع الكفر.. فأهل السنة يكفّرون ساب الله أو رسوله، ويكفّرون المستهزئ بشيء من دين الله، ويكفّرون المستهين بالمصحف، ويكفّرون قاتل الأنبياء ويكفّرون المشرّع مع الله ما لم يأذن به الله، ويكفّرون المعرض عن دين الله وغيرهم ممن لم يتخذوا مع الله آلهة أخرى..
وكذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه قد نصّ على مكفّرات أخرى غير الشرك في نواقض الإسلام التي عدّدها، من ذلك "مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين" و"من أبْغَضَ شيئاً مما جاء به النبي " و"السحر" و"الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به" و"من اعتقد أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد  كما خرج الخضر عن شريعة موسى" ونحوه.. فالراجح أنه أراد بالشرك في عبارته أعلاه الكفر عموماً.. فإن كثيراً من أهل العلم يرون أن كل شرك كفراً كما أن كل كفر شركاً.. فيكون مراده أن أهل السنة لا يكفّرون إلا بالذنوب المكفّرة التي نصّ الشارع على أنها مخرجة من الملّة، خلافاً للخوارج الذين يكفّرون بكل ذنب..
ويؤيد هذا التوجيه قول من يقول أن كل كافر خارج من الملّة فهو مشرك بالله من حيث أنه اتخذ إلههُ هواه أو من حيث أنه عابد للشيطان..
كما قال تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضلَّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله.. .
وقال سبحانه: ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألاَّ تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين..  [يس: 60]. فمن كان مؤمناً بالربوبية وكفر بأيّ نوع من المكفّرات.. فهو مشرك بالله من هذا الباب..
وعلى كل حال فللشيخ رحمه الله تعالى سلف في تلك العبارة وذلك الإطلاق.. فقد قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان من صحيحه: "باب: المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكْفر بارتكابها إلا بالشرك... وقوله تعالى:  إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء..".
وقد يقال: "إن الآية دليل للشيخ ولغيره في إطلاقاتهم.. لكنّ الآية لم تحصر التكفير في الشرك كما فعلوا.. وإنما نصّت على أن ما دون الشرك من الذنوب، فإن الله يغفره لمن يشاء سبحانه.. وليس فيها أن الكفر من ذلك.. بل الكفر إما أن يكون كالشرك مساوياً له أو أشد وأغلظ منه بحسب نوعه..
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والمراد بالشرك في هذه الآية الكفر، لأن من جحد نبوة محمد  مثلاً كان كافراً، ولو لم يجعل مع الله إلهاً آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف" أهـ.
فإن فهم كلام الشيخ هكذا فلا حرج.. ومرادنا هو توجيه الطالب إلى هذا الفهم، لكن إن حُمِلَ الشرك فيه على معناه الإصطلاحي كما قد يفعل بعض الطلبة، كان كلامه عندهم غير جامع، فربما اغتروا به، أو أشكل عليهم وظنوا أن كلامه موافق لبعض أقاويل مرجئة العصر، أو أن الشيخ لا يكفِّر بكثير من المكفّرات العملية والقولية والاعتقادية غير الشرك.. فلزم التنبيه.

3- (ص470) قال المصنف: "ومع ذلك فلم يقل أحد بتكفير الرافضة على التعيين" أهـ. إن أراد عموم الشيعة وأن أحداً لم يكفّر جميعهم على التعيين، فصواب.. إذ ليس كل شيعي ممن يتسمون اليوم بالشيعة، وحتى من يتسمى بالجعفرية أو الاثنيْ عشرية والإمامية، ليس جميعهم - خصوصاً عوامهم - يحملون عقيدة الرفض الكفرية.. وإنما يحملها غلاتهم الذين اتفق الأئمة على تكفيرهم.. فنحن لا نكفّر بالاسم والمذهب لمن كان ينتسب إلى القبلة، بل بحقيقة ما يعتقده أو يفعله أو يقوله من مكفرات نصَّ الشارع عليها..
والرافضة أصلاً لا يتسمّون بهذا الاسم، وإنما سمي أهل السنة بذلك من انتحل تلك العقائد الكفرية، فلا شك عندنا أنه كافر بعينه، إذ فيها ما لا يعذر الجاهل فيه مما هو صريح في الكفر، لا مساغ فيه للتأويل؛ كالقول بتحريف القرآن، ومصحف فاطمة الذي يزعمون أنه ثلاثة أضعاف مصحفنا، ما فيه من مصحفنا حرف، ورِدّة جميع الصحابة، إلا نفر يسير عندهم، وعِلْمُ أئمتهم للغيب، وتفضيلهم على الرسل والملائكة، وعقيدة الرجعة، والبداءة، وغير ذلك مما هو مناقض لصريح القرآن، مثبت في أوثق الكتب عندهم كالكافي للكليني وأمثاله.

4- (ص473) قال المصنف عن النبي : "ومتابعته فيما جاء به عن ربه، وما شرّعه استقلالاً" أهـ.
والحق الذي نعتقده أن رسول الله  ليس بمشرّع، وأنه لم يشرّع شيئاً من الدين استقلالاً..
وطالما انتقدنا مثل هذه الإطلاقات في كتب الأصول العصرية عند تدريسنا لأصول الفقه لإخواننا..
وقد بين الله تعالى وصف رسول الله  ووظيفته فقال: إنْ عليك إلاَّ البلاغ [الشورى: 48]، وقال سبحانه:  وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزّل إليهم [النحل: 44]، وقال تعالى:  إن هو إلا وحي يوحى [النجم: 4].
فوظيفته ، الإنذار والبلاغ والتبشير والبيان كما قد ذكر الله تعالى في هذه الآيات وغيرها..
أما التشريع فهو لله وحده.. وحق الله تعالى على العباد أن يوحدوه فلا يشركوا في عبادته، ولا في حكمه وتشريعه أحداً..
قال تعالى في عبادته: ولا يشركْ بعبادة ربّه أحداً [الكهف: 110].
وقال تعالى في حكمه: ولا يشرك في حكمه أحداً [الكهف: 26].
والإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته..
وقد قال المصنف نفسه ص(799): "ومن أفعال الله تعالى التي اختص بها نفسه وتفرّد بها حق التشريع لخلقه بوضع الأحكام والأوامر والنواهي لهم، وقد دلّ على تفرد الله تعالى بهذا الفعل، قوله تعالى: إن الحكم إلا لله [يوسف: 40].. وقوله تعالى:  ألا له الحكم [الأنعام: 62]..".
إلى أن قال: "وبالتالي فإن كل من تولى التشريع للناس من دون الله فقد جعل نفسه شريكاً لله في ربوبيته إذ شارك الرب في فعله الذي اختص به نفسه، وبهذا وصفه الله بقوله تعالى: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله [الشورى: 21]..
إلى قوله: "وبهذا تعلم أن إفراد الله بحق التشريع داخل في صميم توحيد الربوبية وأنّ أي إخلال بذلك هو مناقضة لهذا التوحيد وكفر بالله تعالى.. الخ كلامه".
قلت: فما دام الأمر كذلك فلا يحل صرف التشريع لنبي ولا لرسول ولا لملك مقرّب.. بل تحقيق التوحيد أن يُجَرَّد لله تعالى وحده.
وقد قال المصنف (738) في تعريف الفقه: "ويخرج -في قولنا المستنبطة- علم الرسول ، إذ ليس طريقه الاستنباط بل بالوحي" أهـ.
قلت: وهذا حق دلت عليه أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: قل إنما أنذركم بالوحي [الأنبياء: 45]، ومنها ما رواه مسلم عن ثوبان في سؤالات حبر اليهود للنبي ، وفي آخره قوله: "لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه وما لي علم بشيد منه حتى أتاني الله به". وفي رواية البخاري عن أنس في قصة إسلام عبد الله بن سلام قال  عند شروعه بالإجابة على أسئلته: "أخبرني به جبريل آنفاً".

5- (ص476): قال المصنف: "فنواب البرلمانات هم أرباب ينازعون الله حق التشريع"...
قلت: لو قال: "فنواب البرلمانات قد جعلوا من أنفسهم أو جعلهم من انتخبهم، أو جعلتهم الدساتير الوضعية أرباب ينازعون الله حق التشريع" لكان أسلم وأضبط وأبرأ.

6- (ص496): ذكر المصنف في شروط التكفير أن يكون الفاعل، "عالماً بأن فعله مكفّر".
وفي هذا الشرط نظر، فإن الذين ذكرهم النبي  في حديث عديّ بن حاتم الطائي رضي الله عنه، لم يكونوا يعرفون - كما صرّح عديّ نفسه - أن طاعة الأحبار والرهبان في التشريع عبادة، ولم يمنع عدم علمهم بأن تلك الطاعة عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، من وصفهم بالشرك، وأنهم قد اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله..
وقد ميزهم الله في فاتحة الكتاب عن المغضوب عليهم، الذين كفروا عن علم، بأنهم ضالون قد كفروا عن تقليد وجهل وضلالة..
ومما يدل دلالة ظاهرة أيضاً على أن الإنسان قد يكفر وهو لا يشعر، أي وهو لا يعلم بأن فعله كفر.. قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون [الحجرات: 2].
فقد بيّن الله تعالى أن هذا الرفع والجهر بالصوت، قد يُفضي إلى حبوط العمل وصاحبه لا يشعر ولا يعلم.. وحبوط الأعمال إنما يكون بالكفر كما قال تعالى:  ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم [البقرة: 217].
وقال تعالى: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله [المائدة: 5].
وقال تعالى: ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون [الأنعام: 88].
إلى غير ذلك من الآيات، فقد ثبت كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يُخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك، وأنه مظنة لذلك وسبب فيه" أهـ. من الصارم المسلول (ص55).
فلا يلزم أو يشترط دائماً كي يكفر المرء أن يكون عالماً بأن فعله مكفّر كما قد ذكر المصنف.. وإنما اشترط العلماء ذلك في تكفير من كان عنده أصل الإسلام، وأخطأ في بعض المسائل الخفية أو المشكلة التي تحتاج إلى بيان ولا تعرف إلا من طريق الحجة الرسالية.. وإلا فقد ذكر الله تعالى في كتابه عن كثير من الكفار أنهم كفروا وهم يحسبون أنهم مهتدون، ويقولون: "إنما نحن مصلحون" و"إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً".
وذكر تعالى أن أكثرهم لا يعلمون وأنهم جاهلون.
وقال تعالى: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً [الكهف: 104].
كما ذكر سبحانه عن الذين استهزؤوا بالقرّاء في غزوة تبوك، أنه كفّرهم لما تلفظوا بتلك الكلمات الكفرية، مع أنهم صرّحوا بأنهم ما أرادوا الكفر، ولا قصدوا الردة بذلك، ولا علموا أصلاً أن مقالتهم كانت كفراً، بل اعتذروا بأنهم فعلوه لعباً ومزاحاً وأنهم ما حسبوا ذلك كفراً، بل هو كما قالوا في سبب النزول: "حديث الركب نقطع به الطريق" والأدلة على هذا كثيرة وهي دالة على أن الإنسان لا يشترط دائماً في تكفيره أن يعلم بأن ما يفعله مكفّر.. إلا أن يراد بعلمه أن يقصد العمل أو القول المكفّر ويعمد إليه حين يفعله أو يقوله، فهذا شرط بالاتفاق، وليس هو مراد المصنف ها هنا.
وانظر ما قاله العلاّمة ابن القيم رحمه الله في "طريق الهجرتين وباب السعادتين" في "الطبقة السابعة عشرة" من مراتب المكلفين وطبقاتهم وهي كما قال: "طبقة المقلّدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً لهم يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أسوة بهم، إلى قوله: وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالاً... إلى آخر كلامه".

7- قوله (ص498) في مانع الجهل محتجاً بقوله تعالى: وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولاً [الإسراء: 15]. "فلا عذاب في الدنيا ولا في الآخرة إلا بعد البلاغ" أهـ.
فهذا إطلاق فيه نظر والواجب تقييده بما لا يُعرف إلا عن طريق الحجة الرسالية، إذ أن أصل التوحيد (الحنيفية)، قد أقام الله فيه الحجة البالغة، فمن لم يحقق أصل التوحيد، بل نقضه ومات على الشرك والتنديد، فهو معذب في الآخرة دون شك.
ويدل على هذا أدلة كثيرة منها:
ما رواه الإمام أحمد، ومسلم عن أنس أن النبي  مرَّ بنخل لبني النجار فسمع صوتاً، فقال: ما هذا؟
قالوا: قبر رجل دفن في الجاهلية.
فقال النبي : "لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمعني".
وأصرح منه ما رواه الطبراني، وغيره أن أعرابياً جاء إلى النبي  فقال: إنّ أبي كان يصل الرحم وكان وكان فأين هو؟
قال: في النار. فكأن الأعرابي وَجَدَ من ذلك، فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟ قال: حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار، فأسلم الأعرابي بعده، فقال: لقد كلّفني رسول الله  تعباً: ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار.
ومثله ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: "يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفى، دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار".
وهؤلاء من القوم الذين قال الله تعالى فيهم: لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون [السجدة: 3]، وقال تعالى: لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون [يس: 6]، فصح بنص الوحي أن هؤلاء قوم معذبون في الآخرة، مع أنهم ما أتاهم نذير وأنهم غافلون بنصّ التنزيل.. وهو دليل على أن من نقض أصل التوحيد من المكلفين ومات على الشرك الصراح والتنديد، أنه معذب في الآخرة وإن لم يأته نذير، لأن أصل التوحيد مما استقر في فطر الخلق وقامت عليه حجج الله المختلفة وبُعِثَ رسل الله جميعاً له، وأنزلت كتب الله كلها من أجله..
وآية الإسراء كما نقل الشوكاني في فتح القدير عن الجمهور إنما هي في عذاب الدنيا لا الآخرة..
ويدل عليه قوله تعالى بعدها مباشرة: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميراً، وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً [الإسراء: 16-17]. فهي إذن مثل قوله تعالى: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مُهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون [القصص: 59].
* ومما يتبع هذا الموضع ما انتقده المصنف (ص543) على صاحب "ضوابط التكفير" في كلامه في أنّ الأصل في الحجة على الناس في التوحيد هو الفطرة والميثاق الذي أخذ منهم.. أما حجة الرسل فهي فيما يناقض الالتزام التفصيلي بالشريعة.. مع أن هذا الكلام حق لا غبار عليه إن أريد به أصل التوحيد واجتناب الشرك الأكبر، دون تفاصيل التوحيد وفروعه التي لا تعرف إلا من طريق الرسل.
كما انتقد المصنف (صاحب الضوابط) في قوله: بأن من نقض التوحيد فهو معذب في الآخرة حتى وإن لم تقم عليه الحجة الرسالية، لقيام حجج الفطرة والميثاق وغيرها، واستدل مرة أخرى هناك بآية الإسراء: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً [الإسراء: 15]، وأورد كلاماً للشنقيطي حولها..
وقد عرفت أن المراد بالعذاب فيها عذاب الاستئصال الدنيوي وعلى ذلك جمهور المفسرين، وأن النصوص قد أثبتت أن هناك من يعذب في الآخرة لموته على الشرك الأكبر، وعدم تحقيقه للتوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وإن لم يأته رسول خاص، إذ إن هذا أصلٌ بعث به الرسل كافة، وأنزلت به الكتب كلها، واتفقت وتواترت عليه الشرائع..
- أما كلام الشنقيطي فواضح من تركيزه فيه على موضوع العقل ونصب الأدلة، أنه يرد على المعتزلة ونحوهم من أهل الكلام الذين أوجبوا معرفة الله بالأدلة العقلية وهذا موضوع آخر غير ما نحن فيه..
- ثم تكلم المصنف في الحجة الرسالية وذكر الأدلة على أن الرسل بعثوا بالتوحيد وغيره. ولا أحد يخالف أن الله سبحانه قد جعل من حججه على عباده في التوحيد وغيره الحجة الرسالية، لتكون له سبحانه الحجة البالغة.
وفي الحديث: "... لا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث الله النبيّين مبشرين ومنذرين" أخرجه البخاري ومسلم عن ابن مسعود مرفوعاً.. ولكن الخلاف هل يعذر المشرك الناقض لأصل التوحيد إذا لم يبعث إليه رسول؟ وإذا عذر فما معنى العذر؟ هل معناه أنه لا يعذب حتى يختبر في عرصات القيامة أم أن معناه أنه معذور ويدخل الجنة..؟؟
فقد صح عن النبي  أنه قال: "إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة" وقال عن بعض من لم يأتهم نذير: "إن أبي وأباك في النار".
- واحتجاجه (ص544) بقوله تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً [لنحل: 78] مطلق مقيد بحديث: "ما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة..". أخرجه الشيخان.
وحديث: "إني خلقت عبادي حنفاء..".
فهذا في أصل الحنيفية.. وتبقى الآية على عمومها في تفاصيل الشريعة..
- وكذلك (ص545) ساق المصنف الآيات التي فيها سؤال خزنة جهنم لداخليها: ألم يأتكم رسل.. . ليستدل على أنه لا يدخل النار إلا من جاءه رسول..
وهذا حق خرج مخرج الغالب لا العموم، يدل على ذلك قوله تعالى: لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون  [يس: 6]، مع شهادة النبي  لبغضهم أنهم في النار.

8- (ص456) عند قول شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإيمان: "هو مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة" أهـ. من مجموع الفتاوى (7/637).
قال المصنف: (ولو قال: "أصل لا يوجد بدونه" لكان أفضل من قوله: "لا يتم بدونه" لأن الإيمان لا يتم بأصله فقط، بل بمراتبه الثلاث والتي تسمى بمجموعها الإيمان الكامل.." أهـ.
أقول: بل لو قال: "لا يصح بدونه" لكان أمنع وأدق..
لأنه بناء على عقيدة أهل السنة بأن الإيمان يتبعّض، وأنه يتكون من شعب، فقد يوجد بعض الإيمان ولا يكون الإيمان إيماناً شرعياً صحيحاً أو متقبلاً.. كما قد وجد اليقين عند فرعون وقومه بصدق موسى، واليقين من أصل الإيمان الذي لا يصح الإيمان إلا به.. ومع هذا فإنه لم ينفعهم وحده لوجود ما ينقض الإيمان الشرعي من الجحود والإباء والعناد وغيرها..
قال تعالى: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّا  [النمل: 14].
وقال تعالى: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف: 106].
فأثبت الله تعالى لهم إيماناً لا ينفعهم ولا يخرجهم من الشرك، فعلم أن إيماناً ناقصاً قاصراً لا يفي بالنجاة قد يوجد عند المرء، أو بمعنى آخر أن المرء قد يوجد عنده بعض شعب الإيمان الشرعي ولكنه لا يصح ولا يقبل منه لعدم استكماله لشعبة أصل الإيمان التي لا يكون المرء مسلماً ولا ينجو إلا بها.. فعلم منه أن الأدق والأمنع أن يقال: "لا يصح بدونه".
وليس "لا يوجد بدونه" كما قال المصنف، إلا أن يبيّن فيقول: "لا يوجد الإيمان الشرعي الصحيح بدونه".

9- (ص522-523): تمثيل المصنف لترك الحكم بما أنزل الله، دون الحكم بغيره، لم يكن موفقاً.. حيث قال:
"لو أن رجلاً ضبط في حالة سكر بيّن في ملهى مرخّص بشرب الخمر فيه، وأحضر هذا الرجل إلى القاضي، الحاكم بالقانون الوضعي، فإنه بموجب هذا القانون لم يرتكب الرجل جريمة ولن يعاقب بشيء، في حين أن الشرع يوجب إقامة حد الخمر عليه، بجلده ثمانين جلدة، فهنا القاضي لم يحكم بما أنزل الله، أي ترك الحكم الشرعي، ولم يحكم بشيء آخر، فترتب كفر القاضي هنا على سبب واحد" أهـ.
- أقول: بل الصواب أن مثل هذا هو من حكّام الجاهلية ومن قضاة الطاغوت، وقد حكم بغير ما أنزل الله، وذلك بعمله بالمادة القانونية التي تنص على أنه لا عقوبة أو لا جريمة إلا بنص قانوني، وتبرئته لشارب الخمر في الملهى المرخص ليس إلا حكماً بهذا النص الكفري، فالحكم يكون تارة بالتجريم وتارة بالتبريء، فمن بَرّأ أو جَرّم وفقاً ومتابعة لغير أحكام الله، فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه.
فذلك القاضي الذي مثّل به المصنف، جامع دون شك لجريمة ترك حكم الله، وجريمة الحكم بغير ما أنزل الله، وهو لا شك كافر، وإنما يصْلح التمثيل لترك حكم الله المجرد، بالقاضي الحاكم بشرع الله، والذي هو دينه الذي يلتزمه ويدين به - كما في عبارات السلف - وإذا خالفه في الحكومة أو الواقعة علم أنه ارتكب معصية..
كأن يترك تنزيل الحد الشرعي مثلاً على قرابته أو من قَبَضَ منه رشْوَة بأن يكذب ويدلّس ويزعم أن السرقة مثلاً لم تكن من حِرْز فلا يحكم بالقطع بل بالتعزير..
فهذه الصورة يصلح أن يمثل بها على ترك الحكم بما أنزل الله الذي هو من كبائر الذنوب والمعاصي، إذ هو ترك لحكم الله، متابعة للهوى والتدليس والرشوة، لمن هو في أصل دينه وحكمه ملتزماً بشرع الله..
وهذه هي الصورة التي اختلف فيها السّلف؛ فقال بعضهم بظاهر الآية، فكفّر فاعلها كما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه، والأكثرون على أنه كفر دون كفر، ما لم يستحل ذلك، شأنه شأن سائر الكبائر والذنوب غير المكفّرة كفراً أكبر.

10- قال المصنف (ص523): "والخلاصة أن مجرد ترك الحكم بما أنزل الله كفر أكبر، فترك الحكم ذنب مكفر شأنه في ذلك شأن ترك الصلاة... الخ".
قلت: لو قال: أن الإعراض عن الحكم بما أنزل الله أو التولي عن الحكم بما أنزل الله، أو ترك جنس الحكم بما أنزل الله، ذنب مكفّر شأنه شأن ترك جنس الصلاة، أو الإعراض والتولي عنها، لكان ذلك كفر بالاتفاق، لأنه كفر تولٍّ وإعراض.. ولخرج بذلك من الإشكال الذي وقع فيه حيث اضطر أن يخطِّىء طائفة من العلماء المتقدمين والمتأخرين؛ كي يصحح ما ذهب إليه من تكفير الملتزم بشرع الله، الذي لا يدين إلا به ولا يحكم إلا بظل أحكامه، إذا ما زلَّ أو عصى فترك الحكم الشرعي، ولم ينزله في الواقعة لشهوة أو رشوة أو قرابة وهو يعلم أنه مقترف بذلك ذنباً، دون أن يحكم بشرع سواه.
وهي الصورة التي تتكرر في كلام كثير من العلماء حين يمثلون بالحكم بغير ما أنزل الله كمعصية وذنب من الذنوب غير المكفرة، إذ هي وإن كانت تركاً مجرداً للحكم، وليس فيها تحاكم لغير شرع الله، لكنها لما كانت تحكيماً للهوى والشهوة أو الرشوة، جاز أن تسمى حكماً بغير ما أنزل الله، ولكن ليس بالمعنى الكفري الاستبدالي التشريعي، أو الذي فيه تحكيم وتحاكم إلى الطواغيت، فهذا لم تختلف مقالات السلف في كونه كفراً أكبر.. أما النوع الأول الذي يتكلم فيه المصنف هنا فمعلوم خلافهم فيه وقد اعترف بذلك الخلاف ثم رجّح قول ابن مسعود.. وهذا الترجيح الذي رجّحه جعله يخطّىء بعد ذلك، كل من خالفه من المتقدمين والمتأخرين.
وفي (ص533) استشكل كلام ابن القيم الذي صرّح فيه بأنه يتكلم على الحكم بغير ما أنزل الله في الواقعة، حيث عَدَل عن الحكم فيها عصياناً مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فمع أن كلام ابن القيم صريح بأنه يعني الحاكم العاصي، الذي لم يتحاكم إلى غير شرع الله، إلا أن المصنف استشكل جَعْل ابن القيم ذلك كفراً أصغر.. فقال (ص533): "الذي ذكره ابن القيم غير صحيح فإنه جعل الحكم بغير ما أنزل الله من الذنوب غير المكفرة كالزنا وشرب الخمر، فهذه التي لا يكفر فاعلها إلا بجحد واستحلال، وهو قد اشترط لتكفير الحاكم بغير ما أنزل الله أن يكون جاحداً" أهـ.
وكلام ابن القيم هذا إنما يشكل على مذهب المصنف حيث جعل ترك الحكم بالصورة المتقدمة التي يذكرها السلف كفراً أكبر كالتحاكم إلى القوانين..
أما من يفرّق بين هذا وذاك، فلن يستشكل كلام ابن القيم ولا غيره، وسيحمل كلامه هذا على الصورة غير المكفرة، وبالتالي فلن يستنكر اشتراطه للجحد في التكفير فيها..
وهذه الصورة غير المكفّرة ضابطها كما عرفت ما ورد في عبارات السلف من أن يكون المرء ملتزماً بشرع الله وأن ذلك دينه الذي يدين به ومعنى هذا أنه لا يتحاكم عند تركه الحكم في الواقعة إلى غير شرع الله وأن أصل حكمه وعمومه هو حكم الله، وأنه إذا خالف عرف أنه قد ارتكب ذنباً، ومعنى ذلك أنه لم يترك جنس حكم الله ولا تولى عنه أو أعرض بالكلية.. ولذلك اقترحنا في أوّل هذا التنبيه أن يقول: "فترك جنس الحكم بما أنزل الله أو الإعراض والتولي عنه ذنب مكفّر شأنه شأن ترك جنس الصلاة أو الإعراض والتولي عنها" ليخرج بذلك القاضي العاصي أو الفاسق أو الظالم الذي يلتزم حكم الله في قضائه ولم يتركه أو ينسلخ عنه وإنما يترك تنزيل حكم الله في الواقعة كمعصية أحياناً دون أن يُحكّم شرعاً سواه.. وهي الصورة التي يمثل بها السلف، وفيها ورد الخلاف، شأن ذلك شأن تارك الصلاة، فمعلوم خلافهم فيمن ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها والأصل أنه من المصلين.. وتفريق كثير منهم بين هذا وبين من ترك جنس الصلاة بالكلية..
وننبه هنا حتى لا يُساء الفهم، أننا نعني بترك جنس الحكم، ليس ترك عموم أحكامه وحدوده..
فالطواغيت اليوم كما يرقّع لهم من يرقّع، يزعمون أنه لا تخلو قوانينهم من أشياء توافق حكم الله - أو مأخوذة منه بزعمهم - وهذا مع أنه لا اعتبار له لأنهم لم يأخذوا بذلك استسلاماً لحكم الله وانقياداً لأمره، بل لأنه جاء موافقاً لأهوائهم ولأن الدستور والقانون قد نص عليه فهم يتابعون بذلك أمر الدستور لا أمر الله وإلا لحكموا بكافة شرع الله إن لم يكن الأمر كذلك.. ثم إن تلك الأحكام التي يزعمون أنها من الشرع؛ محكومة أولاً وآخراً بدساتيرهم الوضعية التي تهيمن على كافة القوانين بحيث تُفهم وتُفسّر جميع القوانين بناء على مبادئه الكفرية ووفقاً لخطوطه العلمانية..
أقول: مع هذا فليس مرادنا بترك جنس الحكم هنا، ترك عموم الحدود والأحكام الشرعية، بل من ترك جنس حكم أو حد واحد منها فهو كافر كفر إعراض وتولٍّ أو إباءٍ وامتناع عن ذلك الحد، شأنه شأن من ترك جنس صلاة واحدة كصلاة العصر مثلاً، فلا أظن أن أحداً من السلف كان سيختلف في كفر صاحب هذه الصورة..
ومنه تعلم تسرع المصنف في قوله (ص523): "هذا الخطأ الذي وقع فيه الهضيبي، قد وقع فيه معظم المعاصرين مقلدين في ذلك لابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية ولابن القيم في مدارج السالكين، وأقوالهم كلها لا أصل لها، ولا تقوم على دليل معتبر" أهـ.
فالصحيح أن تفصيل الأئمة صواب في مناطه..
وأن الخطأ الذي وقع فيه أكثر المعاصرين هو خلطهم لأقاويل الأئمة في ترك الحكم بما أنزل الله بالصورة القديمة.. بصورة الحكم بغير ما أنزل الله الطاغوتية التشريعية في زماننا.

11- خلط المصنف (ص540) بين موضوع ترك حكم الشرع وبين الحكم بغيره، وخطَّأ صاحب كتاب (ضوابط التكفير) حين نصر المذهب القائل: "إن الحاكم الملتزم بالحكم بالشريعة إذا حكم بغير العدل في مسألة معينة أنه لا يكفر إلا إذا استحل ما فعل" وقد بين صاحب الضوابط أنه يفرّق بين واقع اليوم التشريعي وما كان الكلام عنه في زمن ابن عباس، وكلامه بيّن، أنه يريد هنا الترك المجرد كمعصية، لمن كان ملتزماً بشريعة الله، فلا مشاحة.. ما دام المعنى واضح واللفظ يحتمل فلا شك أن حكم الهوى والمعصية، حكم بغير العدل، وحكم بغير ما أنزل الله، والحكم الشرعي إنما يتنزل على الحقيقة لا على المسمى فقد يتبدل المسمى ويتغير في عرف الناس أو يصطلحون على غيره، ومع هذا فالحكم الشرعي يبقى متناولاً للحقيقة ولا يتغير بتغيير الناس للمسميات كما في حديث: "ليشربّن ناس من أمتي الخمر يسمّونها بغير اسمها"، وقد أنكر صاحب (الجامع) على كاتب الضوابط عدم تكفيره لتلك الصورة، كما أنكر على غيره من قبل ومن بعد، وقال هنا: "إن الحكم بالكفر في آية المائدة ترتب على ترك الحكم بالشريعة في قضية واحدة، وهي حكم الزاني المحصن" أهـ.
وهذا غير سديد.. فإن الناظر في سبب النزول يتضح له أن الحكم ترتب على ترك جنس الحدّ في الزاني المحصن.. والتشريع أو التواطؤ على غير حد الله في هذا الباب.. فها هنا جريمتان كلاهما مكفر:
- ترك جنس حد الله في الزنا (التوليّ والإعراض عنه).. أي (عدم التزامه).
- والتشريع أو التواطؤ والاجتماع أو متابعة والتزام تشريع آخر في عقوبة الزنا..
وهذا هو الكفر الذي تحدثت عنه الآيات وسواء بعد ذلك، طبّق التشريع المبدّل مرة واحدة أو مرات عديدة، أو لم يطبق في بعض الأحوال، فذلك الإعراض عن جنس حد من حدود الله الكلية كفر أكبر، والتشريع لعقوبة أخرى فيه كفر أكبر أيضاً، ومتابعة ذلك التشريع والتزامه كفر أكبر. وليس الكفر الوارد في سبب النزول هو ما قاله المؤلف مراراً، لمجرد ترك حكم الشريعة في قضية واحدة، فأدخل في كلامه هذا، القاضي الملتزم بشرع الله أصلاً، يدين به ولا يتبع تشريعاً غيره وإنما مخالفته تكون بترك تنزيل الحكم الشرعي أحياناً للهوى والرشوة ونحوها.. وهي الصورة التي اختلفت فيها مقالات السلف وهذا يندرج تحت ترك بعض الطاعة (جزء الطاعة) لا الانخلاع عن جنسها الذي يعرف بكفر التولي والإعراض..
وحتى أجلّي الفرق بين النوعين: أرجعك إلى حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في صحيح مسلم والذي يحكي سبب نزول الآيات:
- تأمل قول عالمهم فيه أولاً: "نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد".
فإلى هنا كانت جريمتهم هي ترك الحكم بما أنزل الله في جريمة زنا المحصن أحياناً ظلماً وجوراً ومعصية سواء لأجل القرابة أو مراعاة للأغنياء أو أكلاً للرشوة والسُّحت، ولكن من دون التولي عن جنس الحدِّ بالكلية أو اتباع لتشريع آخر فيه.
وهي الصورة التي اختلفت مقالات السلف في شيء قريب منها، فأوَّل بعضهم الكفر في مناظراتهم لمن أنزل آية المائدة على ذلك، فقالوا: (كفر دون كفر) أو: (ليس الكفر المخرج من الملّة)، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (أنها الكفر)، وهو النوع الذي يخلط فيه ويلبّس مرجئة العصر فينزلون أقاويل السلف فيه على واقع اليوم التشريعي الطاغوتي فيحشرونه في غير مناطها، ومن ثم يتهمون من كفّر طواغيت العصر بأنه انحرف عن سبيل المؤمنين وكفّر عصاة المسلمين وسلك مسلك الخوارج..
وهي الصورة التي يتبنى فيها المصنف ظاهر قول ابن مسعود رضي الله عنه ويخطّىء لأجل ذلك كثيراً من المتقدمين والمتأخرين القائلين بخلافه.
- ثم تأمل قولهم بعد ذلك في حديث مسلم: "قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم " أهـ. فها هنا ارتكبوا جريمتين كل منهما مكفر:
الأولى: ترك جنس حدِّ الله في الزاني المحصن بالكلية والإعراض عنه وعدم التزامه. (أي ترك جنس الحكم بما أنزل الله والتولّي عنه في هذا الباب).
والثانية: التشريع مع الله أو تبديل حد من حدود الله، أو التزام شرع غير شرع الله (أي: حكموا بغير ما أنزل الله وتحاكموا إلى الطاغوت).
وهذا عين الجريمتين اللتين يكفرُ بهما طواغيت العصر، ولكن بصورة أخبث وأوسع، فإن اليهود في هذا الخبر تركوا جنس حكم الله في الزنا وأعرضوا عنه وتواطأوا على تشريع آخر فيه، فكفروا كفراً أكبر..
أما طواغيت العصر فقد مارسوا ذلك وفعلوه لكن في جميع حدود الله وأحكامه.
- فترك جنس حكم الله ولو في حدٍّ واحد من حدود الله كفر أكبر.
- والتواطؤ على تشريع غير الله والتزامه ولو في باب واحد من أبواب الحكم الشرعي الإلهي، كفراً أكبر مخرج من الملّة..
وهذه هي صورة سبب نزول قوله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة: 44]، الظالمون: الفاسقون. كما قال البراء: "في الكفار كلها" فالمراد بها جميعاً الكفر المخرج من الملّة..
وليس سبب نزولها هو الترك المجرد لتنزيل حكم الله كمعصية أحياناً لمن كان ملتزماً بشرع الله ولا يدين بشرع سواه في أي حكم من أحكام الله.
ولنا أن نلخص ما تقدم بأن نقول:
إن آية المائدة مع بيان سبب نزولها؛ نصّ في الحكم بغير ما أنزل الله بنوعه الشركي الطاغوتي.
- وإن ظاهرها وعمومها يدخل فيه النوع الآخر الذي اختلف فيه السلف.
فالنوع الشركي الطاغوتي هو مناط الآية وسبب نزولها ولذلك أبقى العلماء الكفر فيها على حقيقته، لأن الأصل في ألفاظ القرآن حقيقتها، وكذلك الأصل في الكفر المعرّف في اللغة، حقيقة الكفر ولا يصرف إلى المجاز أي: (الكفر الأصغر) إلا بدليل.
أما النوع الآخر الذي هو ليس بالكفر الأكبر إلا أن مُسمّاه داخل تحت عموم لفظ الآية، ولذلك استدل بها عليه من استدل من الخوارج، ولم يعتبروا تفسير سبب النزول لها حتى قام بعضهم بتكفير كل من عصى الله، إذ كل من عصى فقد حكم بغير ما أنزل الله عندهم.. وأوَّل السلف الكفر فيها عند ردهم على الخوارج الذين أنزلوها في غير مناطها فقالوا لهم: "ليس الكفر الذي تذهبون إليه" فهذه المقالة وأمثالها ليست تفسيراً من السلف للآية، فقد عرفت تفسير الآية من سبب النزول.. وإنما ذلك ردّ منهم على الخوارج الذين وضعوها في غير مناطها..
- فالحق أن تبقى على ظاهرها في مناطها وصورة سبب نزولها.. وأن تؤوَّل في غير مناطها..
ومرجئة العصر الخوالف.. أوَّلوها في مناطها وفي غير مناطها، وخلطوا النوع الأول بالآخر.

12- (ص863) في الشبهة الثالثة: ذكر أقوال من جعل مناط التكفير في آية: ومن لم يحكم بما أنزل الله هو ترك الحكم فقط وذكر بعض من اشترط الجحد في التكفير في هذه الصورة ومن لم يشترط، مع أنه في عنوان الشبهة (ص862) قال: (ترك الحكم بما أنزل الله والحكم بخلافه).
- فإن أراد: (الحكم بخلافه) أي بشرع آخر فهذا كما عرّفناك ليس هو ما يشترط فيه السلف الجحد، ومن ثم فلا داعي هنا لإيراد مقالاتهم التي يشترطون فيها الجحد، ثم تكلّف الرد عليها، إذ ليس هذا مناطها..
- وإن أراد: (بالحكم بخلافه) الهوى والشهوة والمعصية والرشوة، وذلك لا شك كله خلاف حكم الله.. فلا داعي هنا كما قدمنا لتخطئة من اشترط الجحد والاستحلال من السلف.
كما فعل مع ابن عباس رضي الله عنه حيث أورد ما يُنسب إليه من أنه قال: (من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقرّ به ولم يحكم فهو ظالم فاسق) أهـ. (863) حيث جعل كلامه مصادماً لنص الآية.
وقد عرّفناك فيما مضى أن كلام من قال مثل ذلك من السلف، غير مصادم للآية لأنهم لم يقولوا ذلك في مناطها بل قالوه في المناط الذي أنزلها الخوارج فيه.
وأن مناط الآية الذي أنزلت فيه هو ترك حكم الله مع التشريع أو التواطؤ والتحاكم إلى شرع آخر غيره، وهو الذي قال عنه البراء: (في الكفار كلها) ولم يخالف أحد من السلف في أنه كفر أكبر.
لأن اتباع غير تشريع الله شرك صراح كما نص الله تعالى في سورة الأنعام وغيرها، وابن عباس رضي الله عنه نفسه روى سبب نزول قوله تعالى: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون [الأنعام: 121]، كما رواه عنه الحاكم وغيره بإسناد صحيح، فابن عباس وسائر الصحابة لا يشكّون بأنّ متابعة غير تشريع الله كفر مجرّد، ومن ثم فلم يشترط أحد منهم للتكفير بذلك، الجحد أو الاستحلال، وإنما اشترطوا ذلك لما هو من جنس المعاصي غير المكفرة، وقد عرفت صورته فيما تقدم..
ومن هذا تعرف مجانبة المصنف للصواب بقوله في الموضع نفسه (ص863): (فالله سبحانه علّق الكفر على ترك الحكم بما أنزل الله من لم يحكم وابن عبّاس علّقه على جحد ما أنزل الله، فأثبت مناطاً للحكم غير المناط الوارد في الآية) أهـ. نعم، وحقَّ له أن يفعل ذلك، لأنه لا يفسّر بكلامه هنا الآية، فقد عرفت تفسير السلف لها في سبب النزول..
وإنما هو يتكلم في واقع ليس فيه مناطها، ولذلك اشترط الجحد..
فقد قدّمنا لك أن لفظ الآية عام، فيشمل ظاهرها الترك المجرد كمعصية، كما يشمل الحكم بغير ما أنزل بمعناه التشريعي الكفري، فهي إن لم تفهم على ضوء سبب النزول وأبقيت على عمومها هذا، صارت من المتشابه، ولذلك تمسّك الخوارج بظاهرها لتكفير كل من عصى الله كما زعموا..
ولكن عند رد المتشابه إلى المحكم، وفهم نص الكتاب على ضوء بيان السنة النبوية، كما هي طريقة الراسخين في العلم، يظهر من سبب النزول أن مناط التكفير في الآية، هو الإعراض عن حكم الله ولو في حدٍّ واحد من حدود الشرع، والحكم بشرع آخر غيره، فهذا هو المناط المكفِّر الذي لا يذكر معه الجحد.
أما ما كان ينتقده الخوارج على ولاة زمانهم ويستدلون بالآية منزلينها على غير مناطها، فهو الذي اشترط له السلف الجحد، وأوَّلوا الآية فيه، والحق كما قدّمنا لك أن تبقى على ظاهرها في مناطها.. وأن تؤَوّل إذا أنزلت في غير مناطها.

13- (ص864 إلى ص866) تكلم المصنف في (التولّي) المذكور قبل آية المائدة وقرر أن التولي هو عين الترك الذي تكلم فيه من قبل..
والصواب أن التولي أبلغ من الترك.
فالتولي نوع من أنواع الكفر كما بين الله تعالى: فلا صدّق ولا صلى ولكن كذّب وتولّى [القيامة: 31، 32]، فكما أن التكذيب من أنواع الكفر وهو يقابل التصديق (فلا صدّق) (ولكن كذّب) فكذلك التولي نوع من أنواع الكفر وهو يقابل الطاعة والانقياد والاستسلام، (ولا صلى)... (وتولى).
وكل من النوعين كفر مخرج عن الملة، وقد يجتمعان فيصيران كفراً فوق كفر، وقد قال شيخ الإسلام: "التولي ليس هو التكذيب بل هو التولي عن الطاعة، فإن الناس عليهم أن يصدقوا الرسول فيما أخبر ويطيعوه فيما أمر، وضد التصديق التكذيب، وضد الطاعة التولي) مجموع الفتاوي (7/142).
فالتولي المذكور في قوله تعالى: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولّون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين...  قبل قوله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة: 43-44]، هو التولي المكفّر ونفي الإيمان في الآية على حقيقته، ويؤكد هذا سبب النزول كما تقدم، فهذا لا نخالف فيه المصنف.. ولا نشترط فيه الجحد لأجل التكفير.
وإنما نخالفه كما تقدم بإدراجه الترك المجرد كمعصية، الذي هو (مطلق الترك) تحت التولي المكفّر الذي هو (الترك المطلق) وبالتالي نخالفه في إنكاره على من اشترط الجحد أو الاستحلال لأجل التكفير في (مطلق الترك) وهي صورة الحكم القديمة التي يذكرها السلف عادة..
* وقد وضح المصنف قصده في الخلاصة (ص866).
فذكر أن الآية عامة تتناول بلفظها العام حتى القضاة بالشرع.. وهذا حق ولكن الشأن في التفصيل.
فقد جعل مناط التكفير فيها هو ترك الحكم قال: (الذي يلازمه دائماً الحكم بغير ما أنزل الله كما دلّ عليه سبب النزول) أهـ.
وقد قدّمنا لك أن (الحكم بغير ما أنزل الله) الذي لازَمَ ترك حكم الله في سبب النزول، هو الحكم بالشرع المخترع واتباعه.
وليس هو المعصية واتباع الهوى، فهذا أيضاً يندرج تحت الحكم بغير ما أنزل الله إن فعله القاضي المسلم الذي يدين بشرع الله، لكنه قضى فترك حكم الله في الواقعة دون أن يتبع شرعاً آخر مخترع، فهو قد حكم بغير ما أنزل الله، ولكن ليس بالمعنى الكفري الطاغوتي، ولذلك اشترط من اشترط من السلف، الجحد أو الاستحلال في تكفيره شأن ذلك شأن سائر المعاصي غير المكفرة..
والخلاصة: أن الحكم بغير ما أنزل الله الذي يلازم ترك حكم الله إما أن يكون:-
- حكماً بالشرع المخترع (تحاكماً للطاغوت).
- أو معصية ومتابعة للهوى والرشوة.
- فالأول: هو صورة سبب نزول الآية ولم يختلف السلف في أنها عمل مكفر لا يفتقر إلى الجحد والإستحلال للتكفير فيه..
- والثاني: ليس هو سبب نزول الآية ولذلك ورد بعض الخلاف عن السلف فيه، واشترط جمهورهم الجحد والاستحلال للتكفير فيه..
والمصنف يُلْحق الصورة الثانية بالأولى، ولا يفرّق بينهما في اشتراط الجحد ويقول بأن ذلك كله من صورة سبب النزول.
ولذلك قال بعد ذلك: (4- إن الحكم بالكفر يقع على من ترك حكم الله في قضية واحدة...).
قلت: لو أراد؛ إن تحاكم فيها لغير شرع الله أي إلى الطاغوت، فصواب.
لكنه أعرب عن قصده الذي بيّناه لك من قبل فقال: (والخلاصة أن كل من ترك حكم الله في قضية أو نازلة وحكم فيها بغير ما أنزل الله متعمداً غير مخطىء، فهو كافر كفراً أكبر ويدخل في هذا الحكام والقضاة الحاكمين بالقوانين الوضعية.. إلى قوله: (وإنما يردُ هذا التفريق في حق قضاة الشريعة الذين يلتزمون الحكم بالشريعة في الأصل، فمن خالفها منهم متعمداً كفر، ومن خالفها مخطئاً لم يكفر بل هو مأجور باجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد..) أهـ.
وكذا ص(879) قال في الخلاصة: (ولا يستثنى من هذه الأحكام إلا الحاكم أو القاضي الشرعي المجتهد المخطئ) وقال ص(877): كل من قسّم الحكم بغير ما أنزل الله إلى قسمين (كفر أصغر وكفر أكبر) فهو مخطئ، فإن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر لا غير، ولا ينجو من هذا الوعيد إلا المجتهد المخطئ يدل على أن كلامه يتناول الحكم بغير ما أنزل الله بصورة الترك المجرد كمعصية، دون التحاكم إلى شرع آخر، إذ لا يسوّغ للمجتهد اتباع شرع آخر بحال.
وتأمل كيف حصر المخالفين لحكم الله في الموضع الأول، في (المجتهد المأجور) وفي مقابلة (الكافر).
وليس ثم وسط بينهما عنده وهو (العاصي أو الفاسق أو الظالم)... خصوصاً وأنه صرّح بأنه يعني من كان ملتزماً بالشرع، وأطلق المخالفة بحيث لا تختص بالتحاكم إلى الطاغوت، بل وتشمل الترك المجرد كمعصية متابعة للهوى أو الرشوة، تلك الصورة التي اشترط السلف الجحد والاستحلال للتكفير فيها.. ولأجل ذلك ترى المصنف في كتابه قد خطّأ في هذا كل من خالف مذهبه هذا، من المتقدمين والمتاخرين.. بدءاً بابن عباس كما تقدم ومن قال بقوله من السلف ثم ابن القيم وابن أبي العز وقد تقدم..
* ثم عاد ص871 وخطّأهما في اشتراط الجحد ونحوه لتكفير تارك الحكم بالصورة القديمة التي يتناولها السلف ثم قال: "فاعتقاد وجوب الحكم مع العدول عنه، هي صورة سبب نزول الآية وحكم الله بأنها كفر أكبر لا أصغر" أهـ.
فقد وضح أن سبب النزول ليس هو فقط، العدول عن حكم الله من جنس المعصية والهوى، بل هو الإعراض والتولّي عنه مع تحكيم الشرع المخترع بدلاً منه ولو في حكم أو حدٍّ واحد..

14- كما خطّأ الشيخ محمد بن إبراهيم وقال معلّقاً على كلامه وكلام غيره من أهل العلم في عدم تكفيرهم من ترك حكم الله في الواقعة لهوى (أي كمعصية دون أن يحكم بشرع آخر) قال (ص872):
"والذين أكفرهم الله في الآية أقرّوا بحكم الله في الرجم وهذا تعبير عن اعتقادهم أنه حق من عند الله، ولم يحكموا به إلا لهوى، وذلك لأن كل من لم يحكم بما أنزل الله فلا بدَّ أن يكون متبعاً للهوى، كما قال تعالى: وإن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم [المائدة: 49] -وذكر نحوها من الآيات- ثم قال: "فهذه الآيات وما في معناها تبين أن كل من لم يحكم بما أنزل الله وكل من لم يتبع الرسول وكل من لم يتبع الشريعة فلا بدَّ أن يكون متبعاً للهوى، فالقول بأن من فعل هذا لا يكفر كفراً أكبر مصادم للنص" أهـ.
وكل أحد يعلم أن اتباع الهوى يكون في المعصية كما يكون في الكفر.. وعدم التفريق بين هذا وذاك زلة عظيمة.
- فالزاني حين يزني وشارب الخمر والسارق، كلٌّ مخالف لشرع الله ومتبع لهواه..
- ومن كفر بالله وسجد للصنم أو سب الدين أو شرّع مع الله، مخالف لشرع الله ومتبع لهواه أيضاً.
* فالذين أكفرهم الله في آيات المائدة، نعم؛ قد أقروا بحكم الله في الرجم، وتركوا تحكيمه اتباعاً للهوى، ولكن كان ذلك اتباعاً وتحاكماً منهم لشرع آخر (تحاكموا إلى الطاغوت)..
* والذين يمثل بهم محمد بن إبراهيم وَمِنْ قبله ابن القيم وابن أبي العز ممن أقروا بحكم الله، والتزموه ودانوا به، ثم لم يحكموا به في الواقعة كان ذلك اتباعاً للهوى أيضاً لكن كمعصية، دون اتباع أو تحكيم لشرع آخر..
ولا بدَّ من التفريق..
ولعدم تفريق المصنف بين الصورتين تراه هنا يرمي الشيخ محمد بن إبراهيم بالتناقض لمَّا قال في موضع آخر من فتاويه: "لو قال من حكّم القانون أنا أعتقد أنه باطل، فهذا لا أثر له... الخ".
- والصواب أنه لم يتناقض، بل كلامه الأخير في الحكم بغير ما أنزل الله: (التحاكم إلى القوانين).
- والأول في ترك حكم الله في الواقعة كمعصية، لمن كان ملتزماً بحكم الله في الأصل ولم يتحاكم إلى شرع سواه، وهو الذي يشترط فيه الأكثرون الجحد للتكفير، واشترطه ابن إبراهيم، بينما بيّن أنه لا أثر لدعوى صحة الاعتقاد في التكفير، في النوع الآخر الطاغوتي.
* وكذلك اعترض (ص875-876) على تفصيل الدكتور عمر عبد الرحمن في كتابه "أصناف الحكام وأحكامهم" وبالتحديد على النوع الأول الذي ذكره الدكتور ولم يكفّره، لأنه ملتزم بشرع الله، وترك حكم الله في الواقعة عصياناً لا اتباعاً لشرع آخر.. فاستدل المصنف بآية الأنعام: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون [الأنعام: 121]. وذكر أن الكفر فيها وفي آية المائدة: ومن لم يحكم بما أنزل الله "ترتب على الحكم بغير ما أنزل الله في قضية واحدة، فدخول هذه الصورة في حكم النص، قطعي" أهـ.
ومعلوم في سبب نزول آية الأنعام أنها تتكلم فيمن اتبع تشريعاً غير تشريع الله، فلا خلاف في أن مثل هذا يكفر دون اشتراط الجحد..
أما الصورة التي ذكرها الدكتور عمر عبد الرحمن، فهي صورة القاضي الملتزم بشرع الله الذي يدين به ولا يتبع شرعاً سواه، وإذا ترك حكم الله في الواقعة تركه عصياناً، وهي الصورة التي يمثل بها أكثر من يشترطون الجحد من العلماء المحققين.
أما صورة الحكم الطاغوتي التشريعي، فهذه هي الصورة التي لا يشترط الجحد فيها لأجل التكفير، إلا المرجئة، ومنه يتضح تسرّع المصنف بقوله (ص655) عن الدكتور عمر عبد الرحمن في هذا الموضوع على وجه الخصوص: "والشيخ الذي ذكرته له كتاب بعنوان "أصناف الحكام وأحكامهم" يأتي نقده في المبحث الثامن في موضوع الحكم بغير ما أنزل الله إن شاء الله وهو على نفس القول الأول في الإرجاء" أهـ.
ولذلك فإنّ استشهاد المصنف بعد ذلك (ص876) بكلام ابن كثير في تفسير أفحكم الجاهلية يبغون وبقوله بعد أن ذكر ياسق التتار: (فمن فعل ذلك فهو كافر) قال المصنف: "ولم يقل فمن اعتقد أو فمن جحد" أهـ.
نقول: هذا صحيح ولا يلزم أن يقال أو يشترط مثل ذلك في تحكيم شرائع الكفر أو التشريع مع الله وسائر الأعمال والأقوال المكفّرة..
ولكن إيراده في الرد على النوع الأول الذي ذكره الدكتور عمر فَكّ الله أساره، غير سديد كما تبين لك..
* وكذا (ص877) في ردّه على الأستاذ محمد شاكر الشريف الذي وضع شروطاً ثلاثة لا يكفر معها من ترك الحكم بما أنزل الله، وإن سمّاه (الحاكم بغير ما أنزل الله) فإن شروطه تفصح عن أنه لا يعني صورة الحكم الطاغوتية؛ وملخصها:
1- أن يكون ملتزماً ظاهراً وباطناً بكل حكم وتشريع جاء عن الله.
2- أن يكون مُقِرّاً معترفاً بأنه حين ترك حكم الله في الواقعة المعينة صار آثماً، وأنّ حكمه خطأ وحكم الله هو الصواب.
3- أن يكون الحكم المخالف (أي الذي حكم به لمّا ترك حكم الله) حكماً في وقائع الأعيان وليس في الأمور الكلية العامة.
وقال المصنف عقبه: "وأراد بوقائع الأعيان: الحكم في قضية معينة، وأراد بالحكم في الأمور الكلية العامة: وضع التشريع المخالف لشريعة الإسلام، انظر كتاب (إن الله هو الحكم)" أهـ.
والمصنف يعرف أن الأستاذ اشترط هذا الشرط الواضح، ومع هذا فقد قال: "وحاصل كلامه يرجع إلى كلام من سبقه -الدكتور عمر عبد الرحمن" أهـ.
واعتبر الشرط الثالث تعليقاً من الكاتب لمناط التكفير في هذه المسألة بالتشريع. مع أن كلام الأستاذ يحتمل أيضاً متابعة المشرعين أو تحكيم التشريعات الباطلة..
وقال في ردّه عليه: "فإن الله حكم بالكفر فيها -أي آية: ومن لم يحكم بما أنزل الله - على من تركوا حكمه في وقائع الأعيان (حد الرجم)..." أهـ.
والصواب كما عرّفناك: أنهم تركوا جنس حكم الله في زنا المحصن (الرجم) واجتمعوا في ذلك على تشريع آخر حكموا به بدلاً من حكم الله..
وهذا يختلف كل الإختلاف عمّا يمثّل به كثير من المتقدمين والمتأخرين في الحاكم بشرع الله إذا عصى وترك حكم الله في الواقعة، دون أن يتبع شرعاً آخر.. وهي الصورة التي يصرّ المصنف على إدراجها تحت النوع الكفري، بل ويجعلها صورة سبب النزول..
بل يصف (ص878) جميع من فرّقوا بين الصورتين، واشترطوا الجحد للتكفير في الصورة غير المكفّرة، بأنهم قالوا بمقالة غلاة المرجئة الذين يشترطون الجحد للتكفير بالذنوب المكفّرة..
ولا شك أن هذه مجازفة قد يدخل فيها من اشترط مثل ذلك من السلف.. وهذه الصورة من الحكم التي يصفها العلماء بأنها معصية لا يكفر فاعلها إلا بالجحود أو الإستحلال، يرتكبها فاعلها في الواقعة، كمعصية يتأثّم في فعلها ويعلم أنه مخطىء، وهو في الأصل محكّم لشرع الله، وهو منهجه ودينه الذي يدين به..
وهذه لا تشبه بحال صورة من نبذ شرع الله ولو في حكم واحدٍ من أحكامه سبحانه، وتولّى عنه واتبع شرع الطاغوت، فهذه صورة من صور التولّي والإعراض والامتناع عن حكم الله والتحاكم إلى الطاغوت..
ولذلك كان كلام المصنف أسدّ حين جعل (ص870) مناط التكفير هو الامتناع عن الحكم فقال: "والامتناع هو سبب كفر مانعي الزكاة".أهـ
وذكر امتناع إبليس من السجود وهو كفر الإباء  إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين [ البقرة : 34 ] وقال : "والإمتناع هو سبب كفر مانعي الزكاة "، وذكر قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "والله لو منعوني عقالاً". وقول ابن تيمية أن الكفر "يكون مخالفة ومعاداة وامتناعاً بدون تكذيب" أهـ.
فهذا أسدّ وأدقّ من دندنته حول مطلق الترك لحكم الله الذي تقدم مراراً، فإن لفظة الترك تشترك فيها المعصية والتولي الكفري.. ولا بدّ من التفريق.. ثم نحن لسنا مضطرين إلى الخوض في صورة الترك كمعصية..
فواقع الحكم اليوم طاغوتي صريح في الكفر.. حيث جمع الحكام فيه بين التولّي عن شرع الله، والامتناع عن تحكيمه، مع التشريع مع الله والتحاكم إلى الطواغيت المتفرقة على كافة المستويات المحلية والدولية في جميع نواحي حياتهم..
* وكذلك قال (ص873): "فالحكم بغير ما أنزل الله بسبب الرشوة كفر أكبر لأنه صورة سبب النزول" أهـ.
وذلك بعد أن ذكر أن الله وصف اليهود بأنهم "أكّالون للسحت". وساق رواية الطبري في أنّ ملكاً لليهود ترك رجم قرابته، ثم أراد رجم غيره فقام دونه قومه، فاصطلحوا عندها بينهم على عقوبة دون الرجم...
ثم قال: "فالقرابة كانت أول ما تركوا حكم الله لأجله، فالحكم بغير ما أنزل الله بسبب قرابة، كفر أكبر لأنه داخل في صورة سبب النزول" أهـ.
فلو أراد المصنف بالحكم بغير ما أنزل الله هنا، التحاكم إلى الشرع المخترع (الطاغوت والقانون)، فصواب؛ إذ ذلك كفر سواء كان لرشوة أم لقرابة أم لهوى أم لدنيا أم لغير ذلك..
وإذا أراد بذلك ما تقدم مراراً من كلامه، في ترك حكم الله كمعصية في الواقعة لرشوة أو لقرابة، من حاكم ملتزم بشرع الله ولا يدين بغيره، فليس بصواب؛ وهو الأمر الذي ردّ فيه كلام العلماء مراراً..

15- وذكر (ص878) أن المناطات المكفّرة في الآية هي:
"ترك حكم الله.
أو تشريع ما يخالفه.
أو الحكم بتشريع مخالف".
قال: "ولم يقع شيء منها زمن ابن عباس ولا فيما بعده بعدّة قرون..." أهـ.
وهذا غير صحيح - خصوصاً وأنك قد عرفت أن المصنف يُدخل في مناط (ترك حكم الله) صورة الترك المجرد كمعصية في الواقعة لمن كان ملتزماً في الأصل بشرع الله ولا يتحاكم لشرع غيره.
فمثل هذه الصورة لا شك كانت موجودة في القرون التي جاءت بعد زمن ابن عباس رضي الله عنه.. والمطَّلع على تاريخ الخلافة الأموية والعباسية يرى من ذلك أمثلة كثيرة..
والمصنف نفسه قد ذكر (ص879) قصة القاضي الظالم، بلال بن أبي بردة وأنه أول قاض جار في القضاء وقصته نقلها من كتاب "الأوائل" لأبي بكر بن أبي شيبة (ت235هـ) حيث قال:
"وأول قاض جار في القضاء بلال بن أبي بردة، أخبرنا أبو أحمد بإسناده أن رجلاً قدَّم إلى بلال رجلاً في دَينٍ له عليه، فأقر الرجل به، وكان بلال يُعنى بالرجل، فقال المدعي: يعطيني حقي أو تحبسه بإقراره، قال القاضي إنه مفلس قال: لم يذكر إفلاسه، قال: ما حاجته إلى ذكره وأنا عارف به؟؟
فإن شئت أحبسه، فالتزم نفقة عياله، فانصرف الرجل وترك خصمه وكان بلال معروفاً بالجَور" أهـ.
قال: وبمثل هذا الجور يكفّر الخوارج، إلى أن قال: "هذا ما كان يقع في زمانهم، أما أن يتولّى رئيس دولة أو ملك أو قاضي ولايته على الحكم بالدستور والقانون الوضعيّين ملتزماً بذلك لا يحيد عنه فهذا لم يقع من قبل قط إلا في طائفة التتار أواخر القرن السابع الهجري" أهـ.
فتأمل كيف صار المصنف هنا إلى التفريق بين ما أنكره مراراً في إطلاقاته المتقدمة مما يمثل به المتقدمون والمتأخرون، في صورة مَنْ ترك حكم الله في الواقعة دون أن يلتزم بشرع آخر، وبين الحكم بغير ما أنزل الله بصورته الكفرية الطاغوتية..
فهذا الذي ذكره هنا، ألا يصدق عليه كثير من إطلاقاته المتقدمة من قبل؟
- فهو قد ترك حكم الله.
- ويجوز أن يقال فيه أيضاً كما يفعل كثير من المتقدمين والمتأخرين: (حَكَمَ بغير ما أنزل الله)، فيُشْكِل ذلك على بعض الناس..
مع أن المراد أنه حكّم هواه أو شهوته، وهنا أذكّرك بكلام المصنف المتقدم في إنكاره على من فرّق بين الحاكم بغير ما أنزل الله إذا اتبع شرعاً آخر، وبين من ترك حكم الله في الواقعة عصياناً واتباعاً للهوى.. فجعل هذا النوع الأخير نوعاً مكفراً مثل الأول.. وسرد الأدلة على أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فقد اتبع هواه..
- وكذلك فهذا القاضي ترك حكم الله، أو قُل؛ حكم بغير ما أنزل الله (الهوى والظلم والجور) للقرابة أو للمعرفة والدنيا ونحوه مما تقدم كلام المصنف في عدم التفريق بينه، وبين الحكم بغير ما أنزل الله بمعناه الكفري..
والإنكار على من مثّل بذلك واشترط الجحد للتكفير فيه..
فقوله هنا: "وبمثل هذا الجور يكفّر الخوارج" نقض لما أسسه وأنكره مراراً من قبل.
من ذلك قوله (ص879): "ولا يُستثنى من هذه الأحكام إلا الحاكم أو القاضي الشرعي المجتهد المخطئ" أهـ.
فقد استثنى هنا هذا القاضي الجائر العامد غير المجتهد..!!

16- تكلم المصنف (ص555-556) على شروط (لا إله إلا الله) التي يعدّدها العلماء، وذكر أنها شروط صحة الإسلام الحقيقي النافع في الآخرة، وليست شروطاً للإسلام الحكمي الذي يثبت في أحكام الدنيا بالنطق بالشهادتين.. فقال: "والصواب في هذا أن العلم بمعنى الشهادة كما في حديث عثمان بن عفان عند مسلم، والإخلاص فيها واليقين وغيرها من شروط صحة شهادة لا إله إلا الله المذكورة بكتب الاعتقاد، هذه شروط صحة الإسلام الحقيقي الذي ينفع صاحبه في الآخرة..." أهـ.
فهذا التعميم في جميع شروط لا إله إلا الله، فيه نظر..
فالصواب أن من شروط لا إله إلا الله، ما هي شروط صحة للإسلام الحقيقي النافع في الآخرة وهي الشروط غير الظاهرة، التي لا يعلمها إلا الله.
ومن ذلك ما هو شرط لصحة الإسلام الحقيقي والحكمي أيضاً..
مثل شرط "الانقياد لحقوقها أو لما دلّت عليه..".
كما قال تعالى: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلّوا سبيلهم انّ الله غفور رحيم [التوبة: 5].
وفي الآية الأخرى: فإن تابوا أي من الشرك وأقروا بالتوحيد وشهدوا أن لا إله إلا الله: وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة أي: انقادوا لحقوقها.. فاخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون [التوبة: 11].
فتأمل كيف علّق سبحانه عصمة الدم والمال والأخوة في الدين وذلك من الإسلام الحكمي، بالتوبة الظاهرة من الشرك، وبالتزام حقوق، شهادة التوحيد الظاهرة، من صلاة وزكاة..
وكذلك في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم أنه  قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل".
ولذلك قال الصديق رضي الله عنه لما احتج عليه عمر رضي الله عنه بحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عَصَمَ مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابهم على الله عز وجل".
فقال أبو بكر رضي الله عنه: "فوالله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله ، لقاتلتهم على منعها" رواه البخاري ومسلم.
فالمنافق مثلاً: يأتي بالشروط الظاهرة من حقوق لا إله إلا الله، فيعصم بذلك دمه في الدنيا ويعطى الإسلام الحكمي فيعامل معاملة المسلمين، أما في الآخرة فإنها لا تقبل منه لأنه لم يستكمل شروط الإسلام الحقيقي الأخرى، خصوصاً منها غير الظاهرة (كالصدق المنافي للكذب) و(المحبة لهذه الكلمة ولما دلّت عليه) وغير ذلك..
ثم استشهد المصنف بكلام الشيخ سليمان آل الشيخ ليثبت أن شروط لا إله إلا الله كلها للإسلام الحقيقي، فنقل قوله: "وأما قول الإنسان: لا إله إلا الله من غير معرفة لمعناها ولا عمل به، أو دعواه أنه من أهل التوحيد، وهو لا يعرف التوحيد بل ربما يخلص لغير الله في عبادته، من الدعاء والخوف والذبح والنذر والتوبة والإنابة وغير ذلك من أنواع العبادات فلا يكفي في التوحيد، بل لا يكون إلا مشركاً والحالة هذه) أهـ.
قال المصنف بعده: وتأمل قوله: "فلا يكفي في التوحيد.." ولم يقل: "فلا يكفي للحكم بإسلامه" فالحكم يثبت له بأي من علامات الإسلام" أهـ.
ومعلوم أن هناك فرق بين ثبوت الإسلام الحكمي ابتداء، واستمرار ذلك له، فالثبوت يكون بالإتيان بأي علامة من علامات الإسلام كما ذكر المصنف.. أما استمرار حكم ذلك فيكون بالتزام حقوقه وعدم الإتيان بناقض.. وكلام الشيخ سليمان لا يصلح للاستشهاد على مراد المصنف في أن جميع شروط لا إله إلا الله هي للإسلام الحقيقي..
فقد قال الشيخ: "بل لا يكون إلا مشركاً والحالة هذه".
وقد ذكر الشيخ في كلامه العمل بلا إله إلا الله، وذكر عبادة غير الله ودعائه والنذر وأمور أخرى من شروط وحقوق أو نواقض لا إله إلا الله الظاهرة، التي تتعلق بالإسلام الحكمي في الدنيا..
17- ذكر المصنف (ص596) الكيفية التي اختارها في الاجتهاد في النوازل لمن هو أهل للاجتهاد فذكر بأن أوّل ما يجب عليه أن ينظر؛ هل هذه المسألة من المسائل المجمع عليها، أم هي محل خلاف بين العلماء، وذلك حتى لا يفتي فيها بخلاف الإجماع، فيضل باتباعه غير سبيل المؤمنين..
واحتج بقول الغزالي الذي نقله من المستصفى: "فينظر أول شيء في الإجماع فإن وجد في المسألة إجماعاً ترك النظر في الكتاب والسنة، فإنهما يقبلان النسخ، والإجماع لا يقبله، فالإجماع على خلاف ما في الكتاب والسنة، دليل قاطع على النسخ.. ثم ينظر في الكتاب والسنة المتواتر... الخ".
فلو قال أن مثل هذا يختاره لمن لم يتمكن مِنْ أدوات الاجتهاد ويخشى عليه الغلط في الاستدلال، لربما كان له وجه، على أن يكون متابعاً لمن كتبوا وجمعوا في مراتب الإجماع ومواضعه.. ولكنه قال: "من هو أهل للاجتهاد"..
ومن هو أهل للاجتهاد، يعلم ما في الإجماع من خلاف، خصوصاً بعد تفرّق الصحابة في الأمصار.. وما يدّعيه كثير من الناس من إجماعات لا تصح ولا مستند شرعي لها.. يعرف إكثارهم من استعمال الإجماع السكوتي الذي فيه الخلاف المعروف..
والأولى فيمن عرف ذلك أن يقدّم النظر في الكتاب والسنة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (19/200):
"وللصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين كما أنّ لهم معرفة بأمور من السنة، وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين، فإنهم شهدوا الرسول والتنزيل وعاينوا الرسول، وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك، فطلبوا الحكم مما اعتقدوه من إجماع أو قياس...".
إلى قوله: "وقد قال الإمام أحمد رضي الله عنه: إنه ما من مسألة إلا وقد تكلم فيها الصحابة، أو في نظيرها... إلى قوله: والإجماع لم يكن يحتج به عامتهم ولا يحتاجون إليه، إذ هم أهل الإجماع، فلا إجماع قبلهم، لكن لما جاء التابعون كتب عمر إلى شريح: إقض بما في كتاب الله، فإن لم تجد فبما في سنة رسول الله، فإن لم تجد فبما به قضى الصالحون قبلك، وفي رواية: فبما أجمع عليه الناس، وعمر قدّم الكتاب ثم السنة ثم الإجماع، وكذلك ابن عباس كان يفتي بما في الكتاب ثم بما في السنة ثم بسنة أبي بكر وعمر لقوله: "اقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر" وهذه الآثار ثابتة عن عمر وابن مسعود وابن عباس، وهم من أشهر الصحابة بالفتيا والقضاء، وهذا هو الصواب، ولكن طائفة من المتأخرين قالوا: يبدأ المجتهد بأن ينظر أولاً في الإجماع، فإنْ وجده لم يلتفت إلى غيره، وإن وجد نصاً فخالفه اعتقد أنه منسوخ بنص لم يبلغه، وقال بعضهم: الإجماع نَسَخَه، والصواب طريقة السلف. وذلك لأن الإجماع إذا خالفه نص، فلا بد أن يكون مع الإجماع نص معروف به أن ذلك منسوخ، فأما أن يكون النص المحكم( ) قد ضيعته الأمة وحفظت النص المنسوخ( ) فهذا لا يوجد قط، وهو نسبة الأمة إلى حفظ ما نهيت عن اتباعه وإضاعة ما أمرت باتباعه وهي معصومة عن ذلك، ومعرفة الإجماع قد تتعذر كثيراً أو غالباً، فَمَن ذا الذي يحيط بأقوال المجتهدين؟ بخلاف النصوص فإن معرفتها ممكنة متيسرة" أهـ. (19/ص202).

18- قال المصنف (ص616): "لمّا كان الحكم بالكفر على الممتنعين، بدون تبيّن الشروط والموانع، فحُكْمنا بكفرهم، إنما هو على الظاهر، ولا نقطع بكفرهم كممتنعين على الحقيقة، لاحتمال قيام مانع من التكفير في حق بعضهم" أهـ.
والصواب أن يقال: أن الأصل فيمن تلبّس بنصرة الشرك والمشركين أنه كافر بعينه على الحقيقة ما لم يظهر لنا بحقه مانع..
لأنه إذا تولّى الشرك وأهله حقاً فهو منهم (أي مشرك) بنص حكم الله: ومن يتولهم منكم فإنه منهم [المائدة: 51]، فأحكام الله لا تكون إلا على الحقيقة..
وأما من ظهر في حقه مانع من الموانع فهو ليس بكافر لا في الباطن ولا في الظاهر..
ومن لم يظهر لنا مانع في حقه فلا نعمل الاحتمالات في الأحكام الشرعية بل يبقى حكم الله الظاهر هو الأصل ولا دخل لنا بالسرائر والمغيبات.. والأصل أننا معذورون، بل مأجورون، في الخطأ في الاجتهاد إن اتقينا الله، وطلبنا الحق، واتبعنا الدليل.. وحكمنا بالظاهر..
ولو قال المصنف: أن الممتنع إن قام في حقه مانع لم نطلع عليه، أو لم يظهر لنا، فنحن معذورون في معاملته معاملة الكفار من قتل وغنم مال ونحوه، ويبعث يوم القيامة على نيته، لكان أضبط وأقرب إلى ظاهر حديث أم المؤمنين في الجيش الذي يغزو الكعبة، وكذلك قصة أسر العباس عمّ النبي  في بدر..
ولكان أقرب إلى كلام شيخ الإسلام الذي استشهد به..
وأبعد عن مقالات الجهمية والمرجئة، التي توهمها عبارة: "كافر في الظاهر، مؤمن على الحقيقة أو في الباطن".
حيث قال: "فإذا وجد مانع فهو كافر حكماً، مسلم في الباطن، وإذا لم يوجد مانع فهو كافر ظاهراً وباطناً" أهـ.
وكذلك قال: "فمن كانت بينه وبين أحد هؤلاء الجنود معاملة من هذه وأمكنهُ تبيّن حاله من جهة توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه، أوعلم منه قيام مانع معتبر شرعاً يمنع من تكفيره، فيعامله كمسلم، ويكون هذا الجندي كافراً في الظاهر مسلماً في الباطن، وإذا لم يجد لديه مانعاً معتبراً فهو كافر ظاهراً وباطناً" أهـ (ص616).
فتأمل في قوله: (كافراً في الظاهر، مسلماً في الباطن) أهـ.
ثم انظر ما قاله هو نفسه (ص630) عن الجهمية: (وقالت الجهمية من المرجئة من قال أو فعل ما كفر، كَفَرَ ظاهراً في أحكام الدنيا ويجوز أن يكون مؤمناً في الباطن، فأكفرهم السلف بهذا، لأن من ثبت كفره بالدليل لا بدّ أن يكون كافراً ظاهراً وباطناً، معذباً في الآخرة، لأن خبر الله لا يكون إلا على الحقيقة، لا على الظاهر فقط، فمن أكْفرهُ في الظاهر دون الباطن فقد كذّب بالنص، ومن هنا أكفرهم السلف. انظر مجموع الفتاوى... والصارم المسلول...) أهـ.
وانظر مثله (ص452) من الجامع.
وأنا ظني بالشيخ أنه لا يرى مراد الجهمية في قوله: (مسلماً في الباطن) وإنما مراده أنه مسلم عند من اطلع على المانع في حقه، كافر عند من لم يطلع وعامله بما أظهره من تكثير سواد الشرك وأهله..
فيكون مراده من قوله: (في الباطن) أي: عند من عرف حقيقة أمره وتبيّن قيام المانع في حقه.. لا الاعتقاد القلبي الباطن الذي تردُّ المرجئة الكفر والإيمان إليه.. والله أعلم.
ويدل على حسن ظني هذا، معرفة الشيخ بمقالات الجهمية والمرجئة، وانتقاده لكل من وافقهم في شيء منها أو شابه قوله مقالاتهم..
وأيضاً يدل عليه قوله في الخلاصة (ص625): (... فمن علم من أحدهم مانعاً معتبراً، عامله كمسلم، وهو عندنا كافر في الحكم الظاهر ما دام في صف الحكام المرتدين) أهـ.
ولكنّ العبارة الأولى موهمة فلزم التنبيه..

19- ذكر المصنف (ص617) في موانع التكفير المعتبرة في حق أنصار المرتدين: (الالتحاق بجيش المرتدين بقصد النكاية فيهم، كأن يقصد قتل أئمة المرتدين أو القيام بما يسمى بالانقلاب العسكري، ونحو ذلك، سواء كان هذا هو قصده الابتدائي (أي عند التحاقه بالجيش) أو طرأ له هذا القصد بعد ذلك فيتغير حكمه بحسب تغيّر قصده) أهـ.
وقال (ص618): "الإلتحاق بجيش المرتدين بقصد النكاية فيهم جائز وما دام جائزاً شرعاً فهو مانع معتبر من التكفير" أهـ.
هذا بعد أن حشد الأدلة على كفر من أظهر النصرة والموالاة للكفار والمرتدين وقد قرّر (ص634) أن (الكفر لا يجوز إظهاره إلا مع الإكراه المعتبر، لا لمجرد الخوف أو المصلحة) أهـ.
وهذا حقٌّ، وهو مناقض لاعتباره هنا إظهار نصرة المرتدين والالتحاق بجيوشهم لأجل النكاية فيهم جائزاً شرعاً لأجل هذه المصلحة، التي اعتبرها من موانع التكفير.. ولم يذكر لذلك دليلاً صريحاً مسنداً يخرجه من العموم الذي قرره (ص634).
اللهم إلا ما ذكره من قصة فيروز الديلمي غير مسند ولا صريح الدلالة على ما ذهب إليه..
حيث قال (ص618): (الكفر بسبب نصرة المرتدين في الظاهر لا يرخص فيه بمجرد النية الحسنة، كنية دعوتهم للإسلام وغيرها من أعمال البر، وإنما يرخص في ذلك بنيّة خاصة وهي قصد النكاية فيهم فهذا هو الذي ثبت جوازه بالأدلة..) أهـ.
كذا قال، فما هي هذه الأدلة؟؟
قال: (وعليه فالدليل على أن هذا القصد مانع من التكفير هنا، حادثة فيروز الديلمي رضي الله عنه، لمّا ادّعى الأسود العنسي النبوة وارتدّ قوم من أهل اليمن واتبعوه حتى غلب على صنعاء، تظاهر فيروز الديلمي بأنه من أنصاره واحتال حتى قتله) أهـ.
هذا كلامه.. ولم يذكر على احتيال فيروز وتظاهره أنه من خاصته وأنصاره لأجل قتله، نصاً صريحاً مسنداً، مع أنّ هذا هو وجه الدلالة الذي استدل به على جواز هذا العمل الخطير، الذي كفّر فاعله ومظهره من قبل..
وما ذكره عن الطبري بإسناده عن الضحاك بن فيروز قال: "قدم علينا وبْر ابن يحنس بكتاب النبي  يأمرنا فيه بالقيام على ديننا والنهوض في الحرب والعمل في الأسود، إمّا غيلة وإما مصادمة.. إلخ".
ليس بصريح الدلالة كما ترى، بل قوله: (يأمرنا فيه بالقيام على ديننا والنهوض في الحرب..) يدل على خلاف مراده واستدلاله..
وما ذكره بعد ذلك، من أن فيروز ومن معه احتالوا على الأسود، وأظهروا متابعة، لم يذكره مسنداً، ولا حقّق أو بيّن صحته، مع أنه هو الدليل الذي يتكىء عليه في هذا الموضوع الذي هو مزلّة عظيمة.. بل ذكره حكاية بالمعنى عن الطبري فقال: "وقد ذكر الطبري رحمه الله في نفس الموضع السابق أن فيروز ومن معه احتالوا على الأسود وأظهروا متابعته، حتى تمكنوا من قتله غيلة، وقد أثنى النبي  على فيروز.." أهـ.
فيقال له: هلاّ أثبتَّ العرش أولاً... ثم نقشت..
فإن النقش قبل تثبيت العرش مزلّة.. قلّما يخرج معها النقش سديداً، وتزداد المزلّة خطورة، إذا كان النقش في أبواب الكفر والإيمان..
ولو أن كلام الشيخ واستدلاله كان على من هداه الله إلى التوحيد وهو في جيش الطاغوت أصلاً، فرام استغلال وجوده في نصرة دين الله والنكاية في أعدائه، فأرْجأَ إظهار دينه وتوحيده وبراءته من الشرك وأهله، دون أن يرتكب كفراً، ليُظهرَ دينه وبراءته من الطاغوت بأشرقِ صورة؛ وذلك بجهاد أعداء الدين وجِلادهم في فرصة أو ظرف يتحينه، كما فعل نعيم بن مسعود رضي الله عنه حين كتم إسلامه في غزوة الأحزاب وكان نديماً لبني قريظة، وفي قصته أن النبي  قال له: "خَذِّل عنّا" ففعل، وكان ذلك سبباً في رحيل الأحزاب كما ذكر أهل السير والمغازي.. وكذلك ما فعله محمد بن مسلمة في قتله لكعب بن الأشرف، ونحوه.. مما هو معلوم وثابت ويدل على جواز كتمان الدين أو التخفي ومخادعة الكفار بعدم إظهار عداوتهم لأجل قتل رؤوسهم أو النكاية فيهم..
أقول: فلو اقتصر المصنف على مثل هذه الصورة لما خالفناه.. بشرط أن لا يرتكب فاعلها ما هو كفر أو ردّة، بل يكون حاله في تلك المدة كحال من اندسّ في صفوفهم متخفياً بزيّهم أو استعمل بعض المعاريض والحيل الموهمة، التي هي من جنس المخادعة في الحروب.. كل ذلك لم نكن لنخالفه فيه.. ولكنه جوّز الالتحاق بجيش الطاغوت ابتداءً لأجل هذا القصد.
ومعلوم ما يقترفه من يفعل ذلك من مكفرات مختلفة، في المراحل التي يمر بها في دراسته أو دوراته أو تخرجه وخدمته..
والأصل الأصيل الذي لا يخالفنا فيه المصنف أن مثل هذه المكفرات لا يسوّغ ارتكاب شيء منها إلا في الإكراه، فتجويز شيء من ذلك، واستثنائه لأجل المصلحة التي ذكرها، يحتاج إلى دليل مسند صحيح صريح.. وهو الشيء الذي لم يأت به المصنف هنا..
هذا ولقد عزا المصنف قصة فيروز الديلمي فيما عزاه من المراجع إلى فتح الباري، ومن يرجع إلى شرح الحديث (4378) الواردة فيه قصة الأسود العنسي يجد ابن حجر قد ذكر رواية عن يعقوب بن سفيان والبيهقي في الدلائل من طريقه، من حديث النعمان بن بُزْرُج قال: "خرج الأسود الكذاب وكان معه شيطانان يقال لأحدهما سحيق والآخر شقيق، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس، وكان بَاذان عامل النبي  بصنعاء فمات، فجاء شيطان الأسود فأخبره، فخرج في قومه حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجة باذان، فذكر القصة في مواعدتها دادُوَيه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود ليلاً، وقد سَقَتْهُ المرزبانة الخمر صرفاً حتى سكر، وكان على بابه ألف حارس، فنقب فيروز ومن معه الجدار حتى دخلوا، فقتله فيروز واحتزّ رأسه، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت وأرسلوا الخبر إلى المدينة، فوافى بذلك عند وفاة النبي ، قال أبو الأسود عن عروة أصيب الأسود قبل وفاة النبي  بيوم وليلة، فأتاه الوحي فأخبر به أصحابه، ثم جاء الخبر إلى أبي بكر رضي الله عنه، وقيل وصل الخبر بذلك صبيحة وفاة النبي ) أهـ.
وليس في هذا الخبر شيء مما استدل به المصنف، بل مما فيه أن فيروز ومن معه نقبوا جدار البيت وقتلوا الأسود بمساعدة من زوجة باذان.. وقد اطلعت على ما يرمي إليه المصنف من قصة فيروز، ليس في تاريخ الطبري، فهو غير موجود هنا - بل في البداية والنهاية (6/307-310)، وكل من يخبر كتب التاريخ وما جمع فيها أصحابها من غير إسناد، ويعرف طرق الاستدلال وتمحيص الأخبار، يسلّم بأن حكايته غير مسندة ولا ممحصة، ولا تكفي لإثبات سنّة مندوبة في دين الله.. فضلاً عن أن يُجَوّز بها ارتكاب الكفر البواح، أو الشرك الصراح، لأجل مصلحةٍ ما..
فالخلاصة كما قلت: أن وجه الدلالة من قصة فيروز الديلمي غير صريح فيما نقله المصنف عن كتب التاريخ وهو أيضاً غير مسند، فالمطلوب مراجعة ذلك والنظر في أصل القصة وإسنادها ووجه الدلالة فيها، وهو أمر متعسر عليّ في هذا المكان لفقر بالمراجع المطلوبة لذلك، خاصة كتب الرجال والجرح والتعديل والسير والتواريخ.

20- ذكر المصنف في التقييم الإجمالي لكتاب (الرسالة الليمانية)؛ مخالفة مؤلفها للكتاب والسنة والإجماع، وقال ص(654-655) في مخالفته للإجماع بعد أن ذكر إجماع الصحابة على تكفير أنصار المرتدين صحيح من جهة النقل، قطعي من جهة الدلالة، قال: "وقد ذكرت من قبل أن مخالف مثل هذا الإجماع يكفر نقلاً عن ابن تيمية والقاضي عياض، ويلزم المؤلف في تركه لهذا الإجماع ما ذكرته من قبل إن كان قد تركه مع علمه به أو مع عدم علمه به" أهـ.
قلت: وهذه مجازفة ظاهرة، مفادها أن المصنف يكفر صاحب الرسالة الليمانية لمخالفته هذا الإجماع..
والغريب أنه قال: "إن كان تركه مع علمه به، أو مع عدم علمه به"!!
فلم يعذره حتى في خفاء هذا الإجماع عليه وعدم علمه به!! مع أنه اشترط من قبل في قاعدة التكفير (ص496) أن من شروط التكفير؛ أن يكون الفاعل "عالماً بأن فعله مكفّر" أهـ.
وهذا الشرط وإن كنا قد خالفنا إطلاق المصنف له وعدم تفصيله فيه كما تقدم.. فإنه معتبر هنا، لأن هذا من فروع الشريعة التي قد تخفى عن المرء، وقد يذهل عنها المجتهد لظنه عدم مماثلة الواقع لما أجمع عليه الصحابة في زمانهم، أو غير ذلك ما قد يصرفه عن اعتبار الإجماع، ويجب معه التعريف والبيان وإقامة الحجة قبل التكفير..
وقد قال القرافي في (الفروق): (ولا يعتقد أن جاحد ما أجمع عليه يكفر على الإطلاق، بل لا بد أن يكون المجمع عليه مشتهراً في الدين حتى صار ضرورياً، فكم من المسائل المجمع عليها إجماعاً لا يعلمه إلا خواصّ الفقهاء، فجحدُ مثل هذه المسائل التي يخفى الإجماع فيها ليس كفراً) أهـ (4/117).
وقد نقلنا القول في هذه المسألة في رسالتنا الثلاثينية في التحذير من أخطاء التكفير، في خطأ (تكفير كل من خالف الإجماع دونما تفصيل)، وبيّنّا هناك أن الإجماع إنما كان حجة لمستنده الشرعي، وإنما يكفر مخالف الإجماع الصريح لرده ومعارضته لذلك المستند الصحيح.. وهذا لا يكون إلا عن علم بثبوت ذلك الإجماع ومعرفته بمستنده الصحيح.
أما أن يكفر كل مخالف للإجماع وإن خفي عليه مستنده، بحجة أنه رد الدليل، فهذا من التكفير بالإلزام، وقد بيّنّا في أخطاء التكفير أنه مزلة للأقدام..
وقد قال ابن دقيق العيد: (المسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الصلاة مثلاً، وتارة لا يصحبها التواتر، فالقسم الأول يكفر جاحده، لمخالفته التواتر، لا لمخالفته الإجماع، والقسم الثاني لا يكفر به) أهـ إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (4/84).

21- تكلم المصنف (ص780) في المجالس التشريعية (البرلمانات)، وذكر أن سبب كفر المرشَّحين ومن ينتخبونهم فيها، هو (قصد الفعل المكفر نفسه وهو الترشيح أو الانتخاب فهو كافر دون النظر إلى قصده القلبي)" أهـ.
أقول بالنسبة للمنتخِبين فلا بدّ فيهم من التفصيل، وذلك لأن المنتخِب لا يباشر التشريع ولا يقع في المكفرات العديدة التي يقع فيها العضو الذي ينتخبه للبرلمان من قسم على احترام الدستور والولاء لأربابه، أو تحاكم إلى القوانين، وتشريع ما لم يأذن به الله وفق القوانين الوضعية وغير ذلك.. يكفر إذا انتخبه ووكّله وأنابه عنه، للقيام بهذه الأعمال الكفرية، ولذلك يسمّى العضو نائباً لأنه ينوب عن قطاع الشعب الذي ينتخبهم في التشريع أو غيره من المهام التي يمارسها وفق نصوص الدستور.
وعلى هذا فمن انتخبهم لأجل ذلك فقد كفر لأنه أنابهم عن نفسه في ممارسة الكفر.. وتواطأ معهم واجتمع على دين الديمقراطية الذي هو حكم وتشريع الشعب للشعب.. وليس تشريع الله.. وهذا هو قصد الفعل المكفر الذي يجب أن يشترط في تكفير المنتخِبين (بكسر الخاء)، لا قصد الكفر أي الخروج من الملّة كما يشترط البعض..
أما قصد الانتخاب، هكذا دون تفصيل كما ذكره المصنف، فإنه غير دقيق بسبب التباس حال هذه البرلمانات على الناس جعل كثير من العامة والعجائز الذين يؤتى بهم ليُدْلوا بأصواتهم لأقربائهم أو غيرهم ممن يرفعون شعارات (الإسلام هو الحل) ونحوه، فإن منهم من لا يعرف حقيقة الإنتخاب ومعناه، ولا حقيقة هذه البرلمانات وواقعها ووظيفة نوابها وما يمارسونه فيها، فمنهم من يظنهم ويتعامل معهم وينتخبهم على أساس أنهم نواب خدمات يقدمونها لمناطقهم وعشائرهم ومنتخبيهم كبناء مستشفيات أو مطالبة بشق طرق أو رفع بعض المظالم وهكذا.. أو يظن بأنه بانتخابه الشيخ الفلاني فإنه سيحكم بالإسلام ولا يعرف أن الشيخ صاحب الفضيلة! والعمامة الطويلة، سيقسم في أول مراحل عمله على احترام الكفر (الدستور)، والولاء للكفار والطواغيت، وأنه لا يمارس أي سلطة وعمل من أعماله، إلا وفقاً لنصوص الدستور وقوانين الكفر.. وأن أهم أعماله كلها التشريع الذي منه اشتق اسم (المشرّع)، واسم مجلس التشريع.
فمن كان يعرف ذلك فهو كافر كما قال المصنّف (ص780): "لأن انتخابهم هذا هو حقيقةً اتخاذ أرباب من دون الله، كما أنه في مضمونه إقرار بوظيفة البرلمانات التشريعية المطلقة، وهذا كله من الكفر الصراح" أهـ من الجامع.
فمن اختار وانتخب وأناب عن نفسه نائباً وهو يعرف أن هذه هي حقيقة وظيفته فهو كافر وإن كان يجهل أن التشريع والطاعة فيه كفر وشرك، ما دام قد قصد العمل المكفّر نفسه، فإن الذين أطاعوا الأحبار والرهبان وتابعوهم على التشريع، لم يكونوا يعرفون أن هذه الطاعة والمتابعة عبادة، كما في حديث عدي بن حاتم الطائي ولم يكن ذلك مانعاً من كونهم قد أشركوا مع الله أرباباً..
أما ما عذرنا به العوام هنا، فهو عدم قصدهم واختيارهم للعمل المكفّر، بل كثير منهم كما هو معروف عند من خالط العوام والعجائز وخَبِرَهُمْ، لا يعرفون ماهية هذه المجالس ولا حقيقتها ولا يختارون من يختارونهم على أنهم مشرعون، ولا يعرفون حقيقة عملهم، بل يختارونهم للخدمات أو لتحكيم الشرع دون أن يعرفوا الكيفية، فهم هنا لم يقصدوا العمل المكفر بل قصدوا غيره..
وهذا هو الخطأ (انتفاء القصد) الذي ذكره الله تعالى في قوله: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً [الأحزاب:5] فظاهر هؤلاء أنهم ارتكبوا عملاً مكفّراً.. ولكنهم لا يكفّرون إلا بعد إقامة الحجة بتعريفهم بحقيقة هذه البرلمانات وحقيقة نوابها.
والخلاصة..
أنا لم نعذر هؤلاء في جهلهم أن اختيار المشرعين وطاعتهم في التشريع كفر.. ولا بما يُشقْشِقُ به البعض من أنه لا يكفر إلا من قصد الكفر والخروج من الملّة.. بل لأنهم ما قصدوا العمل المكفّر نفسه، بل قصدوا شيئاً آخر، وذلك بسبب جهلهم بحقيقة هذه البرلمانات وواقعها، فكان حالهم كحال الأعجمي الذي ينطق بكلمة الكفر وهو لا يعرف مدلولها.. ( )

22- أورد المصنف (ص897) كلام الدكتور محمد نعيم ياسين من كتابه (الإيمان) حول كفر وردة الحاكم الذي يشرع ويحلل ويحرّم.. وذكر ضمن ذلك قول الدكتور: "ولكن هذا الحكم لا يدخل فيه إصدار التشريعات التي تتناولها نصوص الشارع أو لم تتعرض لها ولا الأحكام الاجتهادية التي اختلف العلماء فيها) أهـ.
كذا هو في الجامع، ولم يعلّق المصنف على استثناء الدكتور من حكم التكفير إصدار التشريعات التي تتناولها نصوص الشارع!!.. مع أنه نقل قبله فيما نقله من كلام العلاّمة أحمد شاكر (ص893) في القوانين: "وصار هذا الدين الجديد هو القواعد الأساسية التي يتحاكم إليها المسلمون في أكثر بلاد الإسلام ويحكمون بها، سواءً منها ما وافق في بعض أحكامه شيئاً من أحكام الشريعة وما خالفها، وكله باطل وخروج، لأن ما وافق الشريعة إنما وافقها مصادفة لا اتباعاً ولا طاعة لأمر الله وأمر رسوله، فالموافق والمخالف كلاهما مرْتكس في حمأة الضلالة، يقود صاحبه إلى النار، لا يجوز للمسلم أن يخضع له أو يرضى به" أهـ.
وأقول: إن من يعرف واقع حكام اليوم الطاغوتي التشريعي يعرف أن كل قانون من قوانينهم، ما وافق الشرع مصادفة - كما قال أحمد شاكر- أو ما خالفه.. كل ذلك صادر بناء على الحق الطاغوتي الذي منحوه لأنفسهم ولأوليائهم ونصّوا عليه في دساتيرهم وهو قولهم: "السلطة التشريعية يتولاها الملك - أو الرئيس أو الأمير - وأعضاء البرلمان وفقاً لنصوص الدستور".
فأي قانون يصدرونه سواء كان موافقاً للشرع أو مخالفاً له، لا يصدرونه أصلاً انقياداً لحكم الله، بل انقياداً لحكم الطاغوت (الملك أو الرئيس أو الأمير وأعضاء البرلمان)، ولا يتبعونه ويحكّمونه استسلاماً لحكم القرآن، بل عملاً بنصوص الدستور.. وإنما أقول هذا وأذكّر به، إن كان المصنف قد أقر ما هو مثبت في الجامع من كلام الدكتور محمد نعيم ياسين.. وإلا فالصواب أن في هذا النقل خطأ مطبعي، إذ الصواب الذي في كتاب الإيمان: (ولكن هذا الحكم لا يدخل منه إصدار التشريعات التي لم تتناولها نصوص الشرع) أهـ.
فإن كان يقصد بذلك ما تركه الله للعباد من الترتيبات الإدارية. فلا غبار على هذه العبارة. ولا حرج في ذلك.

23- تعرض المصنف (ص902) لحكم المسلم الذي يتحاكم إلى القوانين في حال تعذّر التحاكم إلى الشرع أو رفض الخصم.. وقال: "وهنا له حالان: الأول: إذا تحاكم إليها راضياً بها فقد كفر لأنّ الرضى بالكفر كفر.
الثاني: إذا تحاكم المسلم إليها كارهاً لها مضطراً لذلك، فهل يكفر؟ وهذه المسألة أنا متوقف في حكمها ولم أستطع أن أجزم فيها بشيء مع كثرة التفكير فيها، وذلك لأن الذين أكفرهم الله بتحاكمهم إلى الطاغوت، تحاكموا إلى ذلك راضين راغبين، ويدل على ذلك أنه كان بوسعهم التحاكم للشريعة، فعدلوا عنها عمداً إلى التحاكم للطاغوت، كما يدل عليه قوله تعالى: ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت.. إلى قوله: وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً إلى قوله: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم [النساء: 60-65]..
قال المصنف: "فهؤلاء الذين نفى الله عنهم الإيمان.. عدلوا عمداً عن التحاكم للشريعة.. إلى التحاكم للطاغوت ومن هنا قلت في (الحال الأول) أن من تحاكم إلى هذه القوانين راضياً كفر، أما من اضطر إلى ذلك وليس بوسعه التحاكم إلى الشرع، فلا تنطبق عليه صورة سبب نزول الآيات، ولهذا لا أستطيع الجزم بدخوله في عموم حكمها".
"أما من كان بوسعه التحاكم إلى الشرع على الصفة التي سأذكرها - يقصد التحكيم- وعدل عن ذلك إلى التحاكم، فهو على خطر لأن عدوله هذا علامة على رضاه بالتحاكم إلى قوانين الكفر، هذا والله تعالى أعلم" أهـ.
أقول: إذا كان التحكيم يتم وفق الشرع وفيه قدرة على رد الحقوق وإنصاف المظلوم، وأعرض عنه مختاراً التحاكم إلى حكم الطاغوت، فهذا نظير صورة سبب النزول، والنظير له حكم نظيره إن لم يكن بينهما فرق مؤثّر.
أما إذا لم يكن للحاكم بالشرع سلطان يرد به الحقوق وينصف به المظلوم، أو كان الخصم لا يرضى بحكم الشرع، ولا ينزل عليه، فليس هذا من صورة سبب النزول، إذ أنّ صورة سبب النزول، كان لحكم الله فيها سلطان، وأعرض عنه من نزلت فيه الآيات مختاراً حكم الطاغوت، لكن المسلمين قد أمروا بالكفر بالطاغوت واجتنابه منذ أول الإسلام، وقبل نزول هذه الآيات، ومرادنا أن الأمر ليس محصوراً في صورة سبب النزول، إذ أن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد، وقد قال تعالى منكراً على من أراد التحاكم إلى الطاغوت: يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به [النساء: 60]، فالتحاكم إلى الطاغوت إيمان به يناقض ما افترضه الله على المسلمين من الكفر به.
فالواجب على كل مسلم في كل زمان ومكان وعلى كل حال أن يجتنب عبادة الطواغيت، ونصرتها، والتحاكم إليها، ولو ذهبت دنياه كلها.. إذ لا يعذر في التحاكم إلى شرائع الطاغوت المضاد لشريعة الله إلاّ المكره..
لكن حد الإكراه يتفاوت عند الناس، وكلٌّ أعرف بحاله، كما أن للتكفير شروط يجب مراعاتها، مع التنبيه أيضاً إلى وجوب التفريق بين ما كان من جنس التحاكم إلى الشرائع الوضعية المضادة لشرع الله، وما ليس هو كذلك من الاستنصار على كفار آخرين، أو غير ذلك مما هو ليس من جنس التحاكم الطاغوتي المكفّر.. ( )
لكن الغريب في كلام المصنف تعليله الأحكام هنا بالرضا حيث قال: (لأن عدوله هذا علامة على رضاه بالتحاكم إلى قوانين الكفر) أهـ.
فتأمل كيف ردّ المصنف الحكم الشرعي وعلّله في كلامه هذا وغيره في المنقول عنه أعلاه.. إلى الرضا.. الذي لا خلاف فيه.. إذ من رضي بأحكام الكفر رضاً قلبياً، فقد كفر، سواء تحاكم أم لم يتحاكم..
إلا أن يريد بالرضا هنا الطواعية والاختيار الذي هو ضد الإكراه والإلجاء، فلا حرج في اشتراطه، إذ الإكراه الشرعي من موانع التكفير بالإتفاق.. وإلا فقد أنكر المصنف من قبل على الطبري رحمه الله قوله في تفسير قوله تعالى: ومن يتولهم منكم فإنه منهم [المائدة 51] "أنه لا يتولاهم إلا وهو راض بدينهم"، فقال (ص629): "وهذا التعليل قاله من عند نفسه، وهو مصادم للنص الذي أثبت أن من نزلت فيهم الآيات كان باعثهم على موالاة الكفار، الخوف من دائرة الدهر والرضا بما عليه الكفار، وقول الطبري هنا يشبه قول مرجئة الفقهاء والمتكلمين، إن من أتى عملاً من أعمال الكفر فهو علامة على أنه مكذب بقلبه فقال الطبري، من تولَّى الكفار فلا بد أن يكون راضياً بدينهم وكلا القولين فاسد ترده النصوص" فتأمل إنكاره هذا.. مع قوله الأول..
مع أن كلام الطبري رحمه الله تعالى هنا يحتمل أن يكون حكماً لا تعليلاً، خاصة وانه ذكر ذلك في مسألة قد نص الله تعالى في كتابه وحكم على باطن فاعلها بالكفر كما في قوله تعالى: ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء [المائدة: 81] فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف "لو" والتي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط( ).. فلا يجتمع الإيمان مع اتخاذهم أولياء فنحن نحكم على كل من تولَّى الكفار ظاهراً بأنه قد كفر ظاهراً بذلك العمل المكفّر، وبأنه قد نقض أيضاً إيمانه الباطن بالله والنبي وما أنزل إليه.. فهو حكم، وليس تعليلاً أو قيداً للحكم..
وانتبه إلى الفرق.. فإنّ فيه مزلة أقدام المرجئة والجهمية..

24- ذكر المصنف (ص905) بعض صور التعجل التي تورث الحرمان من النصر على الحكومات الكافرة.. وذكر منها (ص906): "تعجل الصدام" ووصف ذلك وغيره بأنه: "ليس من البر وليس من التقوى ولا يثمر إلا الحرمان والندم" أهـ.
فالواجب عدم إطلاق هذا الكلام فيما وصفه بتعجل الصدام، وهو محاولة قتال وجهاد هذه الحكومات الكافرة مع التيقن من عدم إمكان تغييرها في ذلك الصدام.. فإخراج هذا القتال من البر والتقوى تعجّل من المصنف.. وإن كان يورث حرمان إقامة الدولة لمن تعجّل به.. لكنه إن شاء الله لا يورث الندم، بل إما الأجر أو الشهادة، وإنما يورث الندم عند من ابتغى به غير وجه الله، أو أقام به على غير بصيرة ودون علم وهدى ومعرفة بالواقع والمصالح والمفاسد..
ونحن نعتقد ونبين دائماً بأن الواجب على الأمة هو العمل الجاد لجهاد يكون فيه تغيير هذا الواقع وإقامة الدولة المسلمة لتحقيق التوحيد ودحر الشرك والتنديد.. ولكن هذا لا يعني عدم مشروعية الجهاد والقتال وإن لم يثمر إقامة الدولة حالاً.. فإن الجهاد عبادة مشروعة كالصلاة وسائر العبادات، وهي المدرسة التي يتربى من خلالها الجند الذين سيغيرون هذا الواقع إن شاء الله، والأدلة على مشروعية ذلك كثيرة لا يتسع هذا المجال الضيق لسردها..
والمصنف نفسه قد قال (ص904) تحت رقم (8): "وإن كانت هذه النكاية هي عمل صالح في ذاتها لقوله تعالى: ولا ينالون من عدوٍ نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح [التوبة: 120]" أهـ.
وهذه ليست دعوة مني أو تشجيع على العمل العشوائي غير المنظم والمدروس ودون إعداد، والذي يسميه البعض: بالأعمال اليائسة أو التزبّب قبل التحصْرم.. كلا.. فلا زلنا مع قولنا بجواز الجهاد الفردي والجماعي، نحث على ترسيخ العقيدة والخبرة بمكائد العدو ونقاط ضعفه، والبصيرة بالأحكام الشرعية وبالواقع وفقه المصالح والمفاسد، وغير ذلك مما ندندن عليه.. كي تكون الضربات في أعداء الله موجعة، تدفع الدعوة والجهاد إلى الأمام وتظهر صورة الجهاد المشرقة واضحة غير مشوّهة بين الخلق، وليست مجرد أعمال عشوائية مبتورة غير مدروسة الثمرة، والتوقيت والأهداف، وربما تقرّ أعين أعداء الله ويفرحون بها، بل ربما تعمدوا تضخيم شأنها عبر وسائل إعلامهم، خصوصاً عند نجاحهم في كشف فاعليها بسرعة مع أن منفذيها شباب حدثاء أسنان، تنقصهم الخبرة والعدة والبصيرة، وذلك ليعظموا جهودَ جنود الشرك الذين دحضوا تلك المخططات! وكشفوا أمر أولئك الشباب، تخويفاً لمن تحدّثه نفسه بمثل ذلك، كما قال تعالى: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران: 175]. ومفاخرة بخبراتهم، ونشراً للإحباط والتخذيل بين صفوف الشباب، وليحصلوا بذلك على مزيد من الصلاحيات والرتب والنياشين بتعجّل أولئك الشباب وقلّة خبراتهم وتفريطهم بالإعداد الجاد.
ولا يعجل القارئ فيظن أنني أشترط النجاح والنصر للعمل كي يكون جهاداً شرعياً.. بل الذي أرمي إليه وأدعو إليه، هو بذل الوسع في الإعداد التربوي والمادي بترسيخ العقيدة وتعميق الخبرة بالواقع، ليجمع العمل -ولو كان صغيرا-ً بين البصيرة في الأحكام الشرعية والواقع، وبين التواصل في العمل (فلا يزال) سنة ظاهرة قائمة تحيي النفوس، مع الثبات على الحق في كل الأحوال..
وأُحذّر من أعمال تجمع بين الجهل في الأحكام الشرعية والواقع، والعشوائية في أعمال مبتورة غير مدروسة، يعقبها مواقف تخاذل وذلة بين يدي أعداء الله وتشويه للدعوة والجهاد.. فتورث بذلك حقاً، الندامة والإحباط والتخذيل.
فكم تألمنا على شباب تعجلوا الصدام، حاديهم في ذلك الحماس الأجوف قبل أن يرسخ الإيمان في قلوبهم ودون أن يتبصّروا في الأحكام الشرعية والواقع، وكأنما الغاية أن يعملوا عملاً مادياً كيفما كان ذلك العمل، تأثراً بما يسمّونه من أخبار إخواننا في بلدان أخرى، قد قطعوا شوطاً لم يقطع هؤلاء الشباب عشر معشاره بعد.. ودون مراعاة لاختلاف الظروف والأحوال والإمكانات، وربما سعى بعضهم لقلّة معرفته بالأحكام الشرعية في أعماله العشوائية إلى عقوبة بعض العصاة بأشد مما شرعه الله، من قتل أو قطع أعضاء أو استحلال مال ونحوه مما ينغمس فيه بعض المتحمسين عن غير بصيرة، ولا يفرق في المعاملة بين العصاة والكفار، فيُزرون بدعوتهم ويشوّهون جهادهم، وربما انقلب بعضهم في السجن بعد ذلك على عقبيه فاعترض على أقدار الله وبرئ من إخوانه وقال أقوالاً تشوّه الدعوة وقد تردّه عن الدين.. ثم رأينا بعد هذا كله من يُذل نفسه وأهله لأعداء الله، يستجدي الطواغيت والمشركين من نواب البرلمان، كي يفرجوا ويعفوا عنهم.. فأي جهاد هذا الذي لا يتقي الله أصحابه في دينهم وتوحيدهم الذي هو أهم مصلحة في الوجود، فيشوّهوه بأمثال هذه التناقضات..؟؟
والخلاصة: أن الذي أريد قوله بعد هذا الاستطراد هو كالذي قاله أسعد بن زرارة رضي الله عنه لقومه بين يدي بيعتهم للنبي ..
يا قوم إما أن تأخذوا هذا الجهاد - سواء كان فردياً أم جماعياً، وسواء أقام دولة الإسلام أم لم يقمها - إما أن تأخذوه بحقه وتتحملوا تبعاته، فلا تنقلبوا على أعقابكم وتشوّهوا دين الله.. أو فذروه، واشتغلوا بالدعوة إذا لم تتحملوا تلكم التكاليف، فإن ذلك أعذر لكم عند الله، من أعمال تقوم على التخبط والجهل ثم تختم بالتناقض وتشويه الدعوة والتوحيد.. أو بالذل واستجداء أعداء الله..
أقول هذا نصحاً لإخواني، وتحريضاً على الأطيب والأفضل والأنكى بأعداء الله، لا تخذيلاً.. مع معرفتي بأن الصور المشرقة الثابتة بين أبناء هذا الدين كثير.. ولعل التفصيل في هذا الباب يكون له محل آخر.
فحديث مشاهدات السجن طويل وذو شجون..

25- قال المصنف في آداب الجدال (ص761) في (ب).. "لا يخلو دليله من أن يكون صواباً أو خطأ، وهذا تظهره المناظرة، فإذا ظهر أن دليله صواب.. إلى قوله: "... وإذا ظهر أن دليله خطأ وقد كان يظنه صواباً رجع عنه".
أقول الدليل عندنا هو ليس إلا قول الله أو قوله رسوله  ومن ثم فلا يكون ذلك خطأ، إلا أن يكون حديثاً لا يثبت..
فالأولى أن ينسب المصنف الخطأ إلى استدلال المناظر لا إلى الدليل فيستبدل كلمة الاستدلال، بالدليل.

26- قال المصنف (ص563): "وفي الجملة فإن كل ما يشترط له معرفة الدين يجب فيه تبيّن دين مجهول الحال، كالنكاح والإجارة والشركة ومصارف الزكاة والوقف الذي لا يجوز صرفه إلا لمسلم.. إلخ"..
قلت: لا حاجة إلى تسوية الإجارة والشركة بالنكاح في وجوب تبيّن الدّين واشتراط معرفته، ولو قال باستحباب ذلك لكان أقرب، وذلك لجواز مؤاجرة ومشاركة المشركين، وقيده البعض بالضرورة، وانظر في ذلك صحيح البخاري (كتاب الإجارة) (باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام وعامل النبي  يهود خيبر) وباب (هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب) وكتاب (الشركة) (باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة).
* * *
وبعد فهذا أهم ما لزم التنبيه عليه في الجزء الثاني من كتاب (الجامع) أسأل الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه، وأن يتقبله وينفع به، وكما قلت بين يدي هذه الورقات.. إن هذه الملحوظات لا تحط إن شاء الله من قدر الكاتب ولا كتابه؛ بل هي من طريقة أهل السنة في التناصح والتذكير حرصاً على هذا الدين العظيم، وعلى هذه الدعوة المتميزة، وعلى هذا الجهاد المبارك من أن تشوبه شائبة أو يعكر صفوه كدر.. وحُبنا له وحرصنا على حفظ جنابه وصورته المشرقة، يجب أن يُقدّم دائماً وأبداً على محبة كل أحد..
ويعلم الله أن مصنف كتاب الجامع، معدود عندي في جملة أفاضل الإخوة الذين أكنّ لهم مودة ومحبة خاصة في الله.. وأحسن بهم الظن وأحسبه إن شاء الله من الوقّافين عند حدود الله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه..
ومع هذا فلا أجد حرجاً من تذكيره بكلماته التي ذكرها في الجامع (ص906) في أوجه التقصير في العمل الإسلامي، حيث عدّ من ذلك: "عدم الرجوع عن الخطأ والإصرار عليه، خاصة الخطأ في التآليف الشرعية.. إلى قوله: فما رأيت أحداً عاد عن خطئه، خاصة إذا كان له أتباع، لأنه يرى بجهله أنه سيفتضح أمامهم لو اعترف بخطئه، وهذا خير له في الدنيا والآخرة، من التمادي في الباطل والعناد، هذا رغم دعوى الجميع أنهم يريدون مرضاة الله ونصرة دينه.. فلو كان هذا مقصدهم لاتبعوا ما دل عليه الكتاب والسنة ولأقروا بالخطأ" أهـ.
أذكّر بهذا من باب قوله تعالى: فذكّر إن الذكرى تنفعُ المؤمنين [الأعلى: 9].
أسأله تعالى أن يصلح أحوالنا وأن يستعملنا في طاعته ونصرة دينه وأن يحسن خواتيمنا، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

الأردن - سجن البلقاء
أبو محمد عاصم المقدسي























الفهرست
- مقدمة .............................................................. 2
- (1) تبديع وتضليل من لم يأخذ بأقوال الصحابة ..................... 4
- تنبيه على خطأ مطبعي ............................................. 5
- (2) إطلاق مقالة ( أهل السنة لا يكفِّرون إلا بالشرك ) ............. 5
- (3) عدم تكفير الرافضة على التعيين .............................. 7
- (4) هل يحق للرسول  في ديننا أن يشرّع استقلالاً .............. 8
- (5) نواب البرلمانات ليسوا أرباباً، بل جُعلوا كذلك بالتشريع ....... 9
- (6) اشتراط المصنف ( أن يكون الفاعل عالماً بأن فعله كفر ) للتكفير
فيه نـظر ............................................................ 9
- (7) استدلال المصنف بآية  وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا  على
نفي العذاب الآخروي ..... ...................................... 11
- (8) تعليقه على قول شيخ الإسلام ( الإيمان مركّب من أصل لا يتم
بدونه ... ) ......................................................... 14
- (9) تمثيل خاطئ لترك الحكم بما أنزل الله دون الحكم بغيره ..... 15
- (10) التكفير بمطلق ترك حكم الله، ولو في الواقعة، وجعله كالترك
المطلق للصلاة ...................................................... 16
- (11) خلط بين موضوع ترك حكم الشرع في الواقعة، وبين الحكم
بغير ما أنزل الله .................................................... 19
- (12) الكلام على مناط التكفير في آية  ومن لم يحكم بما أنزل الله  23
- (13) تسوية المصنف بين مطلق الترك والتولي ( الترك المطلق )... 24
- (14) تخطئة المصنف لطائفة من العلماء لاشتراطهم الجحد في تكفير
الحاكم المسلم إذا ترك حكم الله في الواقعة عصياناً، وعدهم من غلاة
المرجئة ............................................................. 28
- (15) عدّ المصنف الصورة السابقة من مناطات التكفير في آية
المائدة، ودعواه بأن هذه الصورة لم تقع في القرون الأولى للمسلمين.. 32
- (16) جعل المصنف شروط لا إله إلا الله جميعها شروطا لصحة
الإسلام الحقيقي لا الحكمي ........................................ 34
- (17) اختيار المصنف النظر في الإجماع أولا قبل النظر في
الكتاب والسنة في الإجتهاد ........................................ 37
- (18) وصف المصنف لبعض جند الطواغيت بقوله " كافر في
الظاهر مسلم في الباطن " ........................................ 38
- (19) اعتبار المصنف ( الإلتحاق بجيش المرتدين بقصد النكاية
فيهم ) مانع من موانع التكفير .................................... 40
- (20) تكفيره لكاتب " الرسالة الليمانية " لمخالفته الإجماع ....... 44
- (21) تكفيره لعموم المشاركين في الإنتخابات البرلمانية دون
تفصيل ............................................................ 46
- (22) خطأ مطبعي فيما نقله المصنف عن كتاب الإيمان للدكتور
محمد نعيم ياسين .................................................. 48
- (23) التحاكم إلى القوانين عند تعذر التحاكم إلى الشرع، وتعليق
المصنف التكفير هنا بالرضا ...................................... 49
- (24) وصفه لتعجّل الصدام مع الطواغيت بأنه ليس من البر
والتقوى .......................................................... 52
- (25) الصواب تخطئة الإستدلال لا الدليل ..................... 55
- (26) ما يجب فيه تبين دين مجهول الحال وما لا يجب ........ 56
- الخــــاتمة ................................................ 56